المجتمع

الثوابت والتأخر .. / د. ممدوح بيطار (*)

هناك لهذه الشعوب ماتسمى “خصوصيات ” تميزها عن غيرها , و “الثوابت ” هي أحد هذه الخصوصيات , التي لاتجد تداولا بالشكل الذي تعيشه هذه الشعوب في المجتمعات الأخرى , بالرغم من أن مفهوم الثوابت قديم قدم الدعوة قبل ١٤٠٠ سنة , الا أن استخدام هذه المفاهيم بشكلها الحالي حديث حداثة الاخوان وحسن البنا , لاوجود لهذه المفاهيم في التداول السياسي أو الفكري الغربي الا في مجال العلوم نسبيا , انتشار ظاهرة مفاهيم الثوابت يوحي بأنه لهذا المفهوم عمقا كبيرا في وجدان وعقول الناس “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء”.
لقد اعتبر حسن البنا وتلاميذه الثوابت والمتغيرات منهجا للاخوان وللمؤمنين ,المتغيرات هي الأمور التي يمكن لها أن تتبدل حسب الظروف , الثوابت لاتتغير ولا تتبدل أو تتطور , انها صالحة لكل زمان ومكان , الثوابت والمتغيرات هي الضابط لسلوك الناس وتصرفاتهم ,وذلك بالرغم من صعوبة مصالحة الثوابت مع ظروف الحياة المتغيرة المتطورة , الثوابت ترفض الواقع المتطور وترفض التغير الاجتماعي والسياسي الذي هو أساس وجود البشرية , لذا ولكي يتم بعض التوافق بين الواقع والثوابت يجب تغيير الواقع لكي ينسجم مع الثوابت ,فشل تدجين الواقع ليتناسب مع الثوابت مثل حسب البنا عودة الى الجاهلية, لذا يجب نشر الدين الحنبف من جديد , الثوابت هي منظومة معارضة الواقع المتغير , ,وكلما تغير الواقع ,على الثوابت اعادته الى حظيرتها , بكلمة أخرى لامناص من جملدة الواقع , بدأت الشعوب بالثوابت , وعليها البقاء متحجرة في هذه الثوابت الى يوم القيامة !.
استعراض عابر لما حدث في اوروبا في القرون الخمسة الأخيرة يظهر المسيرة الأوروبية المتعاكسة مع منظومة الثوابت, فقبل خمسة قرون بدأت أوروبا بالخروج من الدين دون المساس بوجوده , ثم أتت الثورة الفرنسية لتفصل الدين عن الدولة وتلغي امتيازات رجال الدين وتؤكد الاعلان عن حقوق الانسان في الضمير والمساواة , ثم الغاء تهمة الكفر وازدراء الأديان , فازدراء الأديان لم يعد تهمة , كما هو الحال هنا اليوم حيث يعتبر أي نقد لممارسة أو فكرة دينية بمثابة ازدراء للدين .
في الثورة الفرنسية وما تلاها من تطورات وجدت العلمانية تطبيقاتها , التي كانت أساسا للنهضة الأوروبية , والعلمانية كانت الأساس الذي بني عليه الغاء الخلافة وما تلى ذلك من تطورات في الاتجاه العلماني التركي, بالرغم من أساسية هذه التطورات لم يتمكن الاخوان من ادراك وفهم كل ذلك وضرورة كل ذلك, عوضا عن ركوب حافلة التطور, امتلكهم الشعور الوسواسي بأن منزلة الدين في خطر محدق والكارثة ستحدث ان لم يحصنوا نفسهم ودينهم ضد التلوث , والتحصين تم بالتشدد في التمسك بالثوابت, هجمة شرثة يجب مقاومتها بالمزيد من الصلاة والتعبد وطرح مشروع الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان, كتب رشيد رضا “ القرآ…..ن هداية عامّة للبشر ورحمة للعالمين, وأنّه جامع لأصول العمران وسنن الاجتماع, وموافق لمصلحة النّاس في كلّ زمان ومكان بانطباق عقائده على العقل, وآدابه على الفطرة,وأحكامه على درء المفاسد وحفظ المصالح” , وفي رسالة التعاليم قيل “الإس……لام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعها, فهو دولة ووطن, حكومة وأمّة, وهو خلق وقوّة, رحمة وعدالة, ثقافة وقانون… علم وقضاء, هو مادة أو كسب وغنى,هو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة , كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.” هكذا كان الجواب على التنوير وهكذ حدث التأخر والتعتير !,
التنوير حسب الفيلسوف كانت كان خروج الإنسان من حالة القصور, الّتي هو نفسه مسؤول عنها,قصور.. أي عجز عن استخدام ملكة الفهم (القدرة على التّفكير) دون وصاية الآخرين, قصور هو نفسه مسؤول عنه وسببه لا يعود إلى عيب في ملكة الفهم, بل إلى نقص في اتّخاذ القرار وفي الشّجاعة الّتي تجعله يستعملها دون وصاية الآخرين, تجرأ على التّفكير ولتكن لك الشّجاعة في استخدام ملكة فهمك الخاصّة .. !هذا هو التنوير حسب كانت ,أما هنا فمن رحم القصور في العلم ولد الاعجاز, استسلم الواقع للثوابت , وبالتالي استسلمت الحداثة للتأخرية ووصل الحال الى ماوصل اليه ,الممارسة تأسست على انكار الواقع والتنكر له وتزويره , وبذلك تحولت الهزائم الى نكسات أو حتى الى انتصارات,الفقر الى زهد, والمرض الى قضاء وقدر والتأخر الى مؤامرة ,والفشل الى نجاح.
———
(*) د. ممدوح بيطار هو مفكر وكاتب سوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى