شكل الوطن الذي نريد / المحامي ادوار حشوة (*)
مع ارتفاع شعارات الاصلاح دخلت الساحة افكار جديدة حول شكل الوطن المطلوب من مختلف النخب السيا سية والاحزاب فالبعض يريد لوطنه نظاماً برلمانياً دستورياً والبعض يحبذ النظام الرئاسي الحالي وهناك من يريد ملكية بعد ان تحولت جميع الجمهوريات العربية الى ملكيات !.
في اطار هذا الجو حول الاصلاح السياسي ارى ان شكل الوطن الذي نريد بعد كل التجارب يجب ان ينطلق الوصول اليه من قاعدة ثابتة لكي يستقر الوضع الدستوري ملكياً او جمهورياً رئاسياً او برلمانياً .
هذه القاعدة هي( دور القوات المسلحة في العمل العام) وبدون ان نتفق على هذا الدور وحدوده فان شكل النظام في البلد سيظل هدفاً للانقلابات ولن نصل الى استقرار دستوري تنشط عبره الاحزاب والافكار .
الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية كانت هي طريق التغيير وكلها اخذت اسماء وشعارات كالثورة، وطبعاً من اجل الشعب ولتحرير فلسطين وهناك علاقات كثيرة اخرى !!
كان في هذه الساحة نوع من الخلط في المفاهيم بين الثورة والانقلاب العسكري فالساحة العربية كلها ما عدا ثورة الجزائر لم تشهد غير الانقلابات .!
كل انقلاب عسكري كان يعلن فور سيطرته على السلطة انه جاء تلبية لارادة الشعب وان هدفه هو بناء حكم قوي لتحرير فلسطين او لتطوير البلد او الديمقراطية أحيانا ًثم يعلن الانقلاب نفسه ثورة شعبية اشتراكية ديمقراطية الى اخر هذه المعزوفة، دون ان يكون الشعب قد شارك فعلاً في هذا العمل الا حين يستدعى ليصفق للعسكر المنتصرين !
بعد ان يتحول الانقلابيون الى سلطة فانهم لشدة حبهم للديمقراطية يصنعون دستوراً على مقا سهم ورغباتهم ويصدرون هذا الدستور باسم الشعب الذي طبعاً هو صانع الثوار والثورات وقد ينظمون استفتاءً ديكورياً ينتهي الى نسبة مذهلة !
في البلاد العربية كلها جميع الانقلابات العسكرية منسوبة الى الشعب واخذت بانتصارها المشروعية للادعاء انها الشعب !
مفهوم الشعب في التعريف القانوني والدولي هو مجموعة المؤسسات والاحزاب التيتعبر عن وجودها وتمثيلها للشعب عن طريق الانتخاب الديقراطي. ولكن الانقلابين استبدلوا هذا الشعب بالجماهير التي يمكن لاي سلطة ان تجمعها بالاكراه او الاقتناع او الانتهاز في الساحات و قالوا ان هذا هو الشعب .!
ان أي بحث في الاصلاح السياسي في سورية لا ينطلق من الاتفاق على دور القوات المسلحة في العمل العام هو اصلاح هش وسباحة في الفراغ !
(دور قومي للجيش لا دور يومي ) يمكن ان يحقق وحتى في مشاريع السلام التوازن الذي يسمح باقامة حياة سياسية برلمانية !
في القضايا الكبرى كالحرب والاتحادات والتحالف يجب على السلطة السياسية ان تتشاور مع مجلس الدفاع الاعلى باعتبار الجيش قطاعاً وطنياً لا باعتباره قوة فوق الشعب ولا بديلاً عنه ))
الجيش هو جيش الشعب، ودافعو الضرائب من كل مكونات النسيج السوري السياسي وغير السياسي هم الذين يؤمنون له الامدادات المالية والبشرية من اجل حماية البلد .لذلك ( فان الجيش يجب ان لايكون جيش احد احزاب الساحة لان مهمته العامة تستدعيان يكون للجميع حتى يكون الجميع معه .)
يجب الاتفاق السياسي على انهاء مرحلة الانقلابات التي صارت سورية بسببها ملكا للجيش وصراعات ضباطه ويجب العودة الى الاصول العسكرية والدستورية التي تقول إن الجيش ملك لسورية وسورية ليست ملكاً للجيش السوري .
ان كل الدعوات للمصالحة الوطنية والحوار الوطني والاصلاح السياسي والتي لا تنطلق من النقطة الاساس (تحديد دور القوات المسلحة في العمل العام ) سوف تفشل لانها تقفز على حقيقة المشكلة في بلد الانقلابات التي تخترع الاحزاب وتنصب القيادات وتملك وحدها القرار السياسي من خلف حكومات شكلية وجبهات من الكرتون واحزاب من صنع المؤسسة العسكرية وحدها .
فهل يبداء الحوار السياسي مع اصحاب القرار وهل نملك الشجاعة للانتقال الى ديمقراطية لا تغادر المسرح بعد اشهر بسبب بيان عسكري رقم واحد ؟
هذا هو السؤال.
———-
(*) المحامي إدوار حشوة هو كاتب سوري
/ هذا المقال منشور في جريدة المحرر شباط عام 2006