ماحك جلدك مثل ظفرك !.. / د. عارف دليلة
ماحك جلدك مثل ظفرك ! .. / د. عارف دليلة
…___________________
بينما كنت انشر البوست القصير السابق ( “الإرهابي” !)، بعيد الساعة الرابعة بتوقيت دبي ليل اول امس ، وبعد طول متابعة لما يعيشه ملايين السوريين في العراء ، و في خيم اسؤأ بكثير من العراء ، تعوم بمحتوياتها الزهيدة على الاوحال وفيضانات الثلوج والامطار ، وليس للمرة الاولى ، بل هكذا على مدى سنوات النكبة السورية العظمى الاثني عشرة الماضية والممتدة ، وبإصرار عجيب ، مطاردين ، بصفتهم “الارهابيين !”، من مدنهم وبيوتهم وقراهم ومزارعهم ، ودون ان يتحرك أحد ، سواء داخل سورية او خارجها ، من ” الأعدقاء “، لإنهاء معاناتهم ، الأمر الذي لا يحتاج لاكثر من بضعة ايام ، واذ بهم يجدون انفسهم مثل اشقائهم الفلسطينين الذين طوردوا ، بابشع وسائل الإرهاب والعنف ، الى خارج بيوتهم وبلدهم عام ١٩٤٨، مع وعد بان يعادوا الى بيوتهم خلال ايام ، فخرجوا حاملين مفاتيحها ، واذ ب “النظام العربي والدولي” يمنعهم من العودة بعد ثلاثة ارباع القرن ، ويتابع مطاردتهم ومحقهم اينما حلوا ، بعد ان يحل محلهم” دولة ” عدوة ، مصطنعة بقرار همجي فريد لما يسمى”مجلس الأمن الدولي” (!) و”شعبا” ومنظمات ارهابية من غلاة العنصريين الذين اجمع “المتحضرون” الغربيون على تنظيف دولهم واراحة شعوبهم منهم ، لتقع الجريمة على رقاب العرب الفلسطينيين ، مسلمين ومسيحيين !!
وما كدت انشر البوست السابق حتى بدأت تتوارد امام ناظري اخبار الزلزال الأكبر من نوعه منذ قرن وصوره المرعية وهو يجتاح الأراضي والمدن السورية والتركية لتبلغ ضحاياه عشرات الالوف من المغدورين وهم نيام . وليس ما ظهر منها الا القليل حتى الآن .
ان الزلزال ، كحادثة طبيعية غير قابلة للتنبؤ الدقيق ، يعتبر ظرفا قاهرا . لكن الزلزال ، بصفته حدثا انسانيا ، يفضح أيضا ، في جانب منه ، العجز والتقصير البشري ، من التخلف والتهلهل والتردي الاقتصادي والاداري والاجتماعي والعلمي _ التكنولوجي ، بل ويفضح اكثر ما يفضح شدة الاستبداد ، وعمق الفساد المستشري ، الذي يعتمد الغش في التنفيذ المغطى بالإغراء الظاهري في الشكل الذي اتبعه اساطين الفقاعة العقارية في العقود الاخيرة ، متحررين ، بقوة النفوذ والفساد المهيمن ، من اتباع الاصول العلمية والقانونية في التشييد المعتمدة في الدول المحترمة . فالملاحظ ان معظم الابنية التي وقعت على رؤوس ساكنيها ، والذين ، مع انعدام والتفريط بالمقدرات المادية والعلمية، والتكنولوجية ، ايضا بسبب الفساد والاستبداد المزمنين ، كانت ، على الغالب ،الابنية المشادة حديثا ، والاكثر إغراء في مظهرها الخارجي ، بقدر انحطاط ضمائر من وفروا على جيوبهم تكاليف اتباع الاصول العلمية في الانجاز ، واولئك المسؤولين عن الرقابة عليهم ، سعيا من الطرفين على تحقيق اعلى الارباح الحرام !
الآن ، وبسبب الجريمة المزمنة للفساد والاستبداد ، وبسبب الكارثة الطبيعية ، يجد نصف الشعب السوري نفسه ، إن لم يكن تحت الانقاض ، مطاردا “خارج المكان ” ، تماما مثل اشقائه الفلسطينيين قبل ثلاثة ارباع القرن !!!
ان السوريين ، الآن ، وهم يقفون على الأطلال ، عديمي الحيلة والسلطة والقرار امام مسلسل الكوارث الماحقة ، السياسية والطبيعية ، وهم معاقبون ومجردون من مقدراتهم ، يجدون انفسهم ، بما بقى لديهم من بقايا العقل وحسن التدبير والصبر ، الذين تميزوا بها دائما ، أمام أحد الخيارات التالية :
_ الاستسلام والتسليم بكل ماحصل ويحصل لهم ، سواء في الاحوال العادية ( السلمية !) ، او في الظروف القاهرة ، البشرية منها او الطبيعية ، وما فوق ووراء الطبيعية ، والأخذ بمثل هذا الخيار لم يكن نحلة سورية على الإطلاق ؛
_ او المبادرة ، بالتفكير والعمل ، للخروج مما هم فيه ، انطلاقا من الوعي والقناعة بان الخروج من النفق المسدود امر مناط بوعيهم وارادتهم ، وباستعادة استقلالهم ووحدتهم ومقدراتهم ، وبالرغم من ان البعض منهم مسؤولين ، بطريقة او بأخرى ، عن الكثير مما حصل ويحصل لهم ، فهم يبقون الوحيدين القادرين على انقاذ انفسهم والخروج من كارثتهم؛
_ والإيمان بأن المخارج الإفرادية لا نفاذية لها ، بل هي المانعة للخروج من النفق المسدود والمؤدية فقط الى الانمحاق النهائي للجميع ، وان المخرج الوحيد الذي تتأمن فيه السلامة والحرية والعدالة والكرامة والمستقبل الأفضل للجميع ، وعلى قدم المساواة ، هو اتفاقهم على ان سوريتهم هي دولة واحدة موحدة ، محررة من اي ارتهانات خارجية للدولة أو لاي جماعة او مواطن فيها ، دولة قانون قائمة على المواطنة المتساوية لجميع مواطنيها ، تحترم نفسها في علاقاتها الخارجية الندية ، وتحترم حقوق مواطنيها والالتزامات المتبادلة بينها وبينهم ، وتكون فيها السلطة بجميع مؤسساتها نابعة من الارادة الحرة لشعب متعلم واع ، مسؤولة امامه ، وموظفة عنده مؤتمنة على خدمة مصالحه وتحقيق رفعته وارتقائه ، منزهة عن قمع مواطنيها الأحرار ، و عن اهدار وشفط والتفريط بطاقاتهم ومقدراتهم الوطنية والفردية، وراعية لتفتحهم جميعا ولإسعادهم .
بهذا يتحقق الاحترام للأحياء والرحمة للأموات ، والرفعة والهناء للدولة والمواطنين ، وللاجيال اللاحقة !
هل هذا مستحيل ؟
انه ممكن طالما هو محقق في دول عديدة معاصرة .
والأولى ان تكون سورية والسوريون اهلا لذلك ، كما كانوا فجر الحضارات البشرية ، وكما يبرهنون على ذلك كل يوم وهم في شتاتهم القسري الفظيع !