السير قدما باتجاه الانحطاط… / سمير صادق
نحن أمام ظاهرة تؤكد خروج شعوب هذا الشرق من التاريخ ومن السياق المتحضر, ففي معظم الدول العربية التي نالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية ,حكمت نظم قومية الاتجاه والمضمون ولفترات ليست قصيرة , تطورت الأحوال بشكل معيب ,تميز من حيث الشكل والمضمون بشراكة التيارالقومي العربي حصرا مع الأصولية , والشراكة فرضت انحسار هذا التيار وانحسار الحركات التحررية واليسارية الأخرى لصالح الاخوان ولفترة من الزمن , حدث ذلك خاصة بعد اقامة دولة الملالي في ايران عام ١٩٧٩ ,ومن ذلك الحين تقريبا بدأ صعود التوجهات المذهبية ومحاولة احتلالها للشأن السياسي في اطار ماسمي الصحوة , منذ ذلك الحين ايضا تاهت السياسة المدنية وضاعت قتيلة بين مطرقة الملالي وسندان الوهابية .
انتفخ أطراف المطرقة والسندان واشتروا المؤيدين والأزلام , وتقزمت الحرية لتتحول الى حرية التدين فقط , أما فكرة الديموقراطية العلمانية فقد تعرضت لهجوم كاسح من كل الأطراف ,الى أن تمكن فريق داعشي من احتلال أقسام كبيرة من سوريا والعراق , وتمكن فريق ملالي ايراني من السيطرة على اليمن وعلى العراق وعلى لبنان وسوريا جزئيا , تحولت الدول والمجتمعات الى ذيول لهذا الطرف او المحور أو ذاك , ولم يعد بالامكان رصد قوة فعالة وفاعلة مدنية يسارية أو شيوعية أو اشتراكية أو يمينية رأسمالية ليبرالية أو حتى قومية في هذه البلدان !
احتلال السياسة من قبل رجال دين بعمامة أو رجال دين بدون عمامة ,قاد الى شلل السياسة المدنية , وأجبر حتى التيارات القومية على الانصياع للتمذهب ,وبذلك أصيبت بنية هذه التيارات في القلب , تيارات تحولت ببنيتها الهرمية القومية الى مايشبه خليفة على رأس طائفة , التمذهب الذي أصاب البنية أصاب أيضا المسلكية , لذا تكوكبت هذه الحركات حول محور متجانس مع انتمائها المذهبي ,فمحور ملالي ايران ضم نوعا دينيا معينا , ومحوور الفريق الوهابي تألف من نوع آخر , لأسباب مختلفة شذت حماس لفترة عن هذه القاعدة , ليصارقبل سنوات الى تصحيح الوضع وتنظيف محور الملالي , على المحور ان يكون متجانسا , فعدم التجانس ينفي نقاء وصفاء المحور,
وصلت الشعوب في سياق هذا التطور الى حالة اسطورية في كارثيتها، ولنجد الحل كان من الضروري معرفة السبب. لماذا تحولت الأمور عكس المنطق وعكس العلم وعكس المصلحة وعكس العقل بهذا الشكل ؟
هناك العديد من الأسباب وكثير من التحليلات. أظن بأنه لا وجود لسبب يمكنه تعليل ماحدث بشكل منفرد، فلا نظرية المؤامرة قادرة لوحدها على تفسير ذلك، ولا الاحباط والاخفاق وخيبة الأمل قادرة على تفسير كل ذلك , مع العلم بأنه للاحباط وخيبة الأمل والاخفاق دورا مهما جد في افساح المجال أمام ثقافة تراثية تحولت الى الملاذ الأخير لبقايا النشاط السياسي الممنوع من قبل الديكتاتوريات، فمنع هذا النشاط خلق فراغا قامت الغيبية والمذهبية بملئه دون مقاومة تذكر، وبذلك تحول المواطن الى مؤمن، وتحول المستبد الى اله يًعبد ويًطاع الى الابد ,نسخة ارضية عن استبداد السماء. استسلام الجمهور الممنوع من الخيار والاختبار الى مشيئة الآلهة السماوية والارضية كان سببا للكارثة الى جانب كونه نتيجة لها، وبذلك تم تكريس حالة ايمانية طقوصية قطعية بعيدة عن العقل والعقلانية ومهووسسة بالنقل، وبالتالي تكريس الانحطاط والاتجاه الورائي. لقد تبخر السعي الى صنع وامتلاك ثقافة الحداثة وانجازاتها، يمكن تعداد أسباب كثيرة لهذا الانحطاط، وبعضها يتصف بالازدواجية ..انه سبب ونتيجة في آن واحد. الشيئ الثابت في هذه الاشكالية هو القدسية، وبالتالي صعوبة التغيير والتطوير …. الاجتهاد ممنوع؛ وما هي ضرورة الاجتهاد عند صلاحية القديم لكل زمان ومكان والى الأبد!!؟
لا فائدة تذكر من تعداد أسباب أخرى للابتعاد عن التحضر تحت تأثير التراث، فربع ماذكر كاف للتأكد من مناعة واستعصاء الثقافة التراثية للعلاج، لقد قيل مرارا وتكرارا على لسان رجال النهضة والتنوير بأنه لامفر من فصل الدين عن الدولة , ولكي ينجح هذا الفصل لابد من جو ثقافي مناسب ولا بد من نوعية ثقافية مناسبة. نيتشه قال: ان لم يمت الله فسأقوم بقتله. لم تقتل هذه الشعوب الله , لابل نصبته على الأرض ايضا. فيور باخ نعى موت الدين غير آسف عليه. ولا حاجة للتذكير بمواقف ماركس وفرويد وفولتيير وغيرهم؛ بالمختصر وما هو صحيح بالنسبة للدين في القرون الوسطى الأوروبية , صحيح بالنسبة للدين في هذا العصر وفي هذه المنطقة.
———
/ عن الفيسبوك