الجوائز وُجدتْ لكَيْ تُرْفَض: هابرماس مثالاً/ خليل النعيمي
نقائص الوجود العربي لا يمكن ترميمها، ولا تجميلها بشراء فضائل الآخرين. فلنكف عن رشوة الإبداع الكوني، وحَرْف مساره المضيء، محاولين أن نسطو عليه، بقدرة ثرواتنا المادية الغبية، من أجل لَجْمه وتبذيله، كما فعلنا مع مخزوننا المعرفي عربياً منذ عقود.
البعد الفكري النيّر والطليعي، كما يتجلّى في تراث يورغن هابرماس، صاحب «الفضاء العام»، و«النظرية والممارسة»، وغيرهما من الآثار النقدية الكبرى لكل ما هو سلطوي ومتخلّف وسكوني، هو الذي يميّز قوة الفكر النقدي وسطوته. وهو ما يعني أن الوجود لا يستقيم بلا نقد حرّ، يفضح العيوب الكامنة في بنيته. وهذا الفكر الإنساني العارم لا ثَمن له، ولا هو يُشتَرى، ولو «بجائزة أميرية» مغرية. لأن حجافل الكتّاب العرب الذين يسيل لعابهم أمام «صَفْطات» الدولارات الشهية، ليس مثالاً يحتذى، ولا هُم، مع الأسف، معياراً في مثل هذه الحال.
نحن ندرك أن تنازل المفكرين والمبدعين على اختلاف ميولهم ومناهجهم أمام الإغراءات المادية هو في العمق كارثة معرفية خطيرة، لأنه يمثل الضياع الكامل للرشد الإنساني، وللوعي السليم. وهو بالتالي تخريب لضمير العالَم، الذي لا يمكن التعبير عنه إلاّ بالفكر الحر والمتنوّر، والمقاوِم لكل الإغراءات الملتبسة. وعندما يُقوِّم مفكّر كبير مثل هابرماس خطأه بقبول الجائزة الأوّلي، ويعتذر عنه في ما بعد، فذلك دليل على أننا نستطيع دوماً أن نغدو أكبر من تهافتنا، ومن أخطائنا، إذا أردنا ألآّ نبتذل تاريخنا الفكري. وإذا كنا، بالخصوص، نملك الوعي النابه الذي يساعدنا على أن نصحح العثرة التي افتعلناها بإرادتنا. وهذا التصحيح النقدي، إذا صح القول، هو أهمّ ما فعله المفكر هابرماس بخصوص هذه الجائزة. لأن الاستمرار في القبول بما ينافي ضمائرنا، هو الإعلان الصريح عن سقوطنا المدوّي في «الشينات»، كما يقول أبي….
———-
تابع/ي القراءة على رابط المصدر أدناه