ثقافة المعرفة

سؤال عن الانتصار في الحروب وعن النجاح في الحياة ../ ممدوح بيطار

سأل أحد الأصدقاء :”متى ستنتهي عقدة كتبة سيريانو عن اهانة _ الوليد والرشيد _ وهما نقطتا انطلاق لقوتنا في تحرير بلاد الشام وبناء اسس حضارتنا العربية الاسلامية . الا يكفي ان الوليد قد نال عقابه في زمنه توبيخا وعزلا عن القيادة ؟ ماذا تريدون اكثر ؟ ومع عزله استقبل الامر بروح عصامية . اذ اخفى الامر كي لا ينعكس سلبا على المقاتلين ._ فلم يقم بانقلاب عسكري كما يحدث في زمننا وعصرنا _ وهذه صفة العظماء . كل انسان له ايجابياته وسلبياته في فكره او سلوكه . هل تريدون اخراج جسديهما من القبر ورميهما في الصحراء ؟ في عصرنا الرقمي ؟ كما فعل الروس باخراج جسد ( ستالين ) من مقبرة العظماء ومحاكمته من جديد ؟ _ واليوم يعود الاعتبار لستالين في تقييم جهوده لبناء الاتحاد السوفييتي _.العظماء دائما ياصدقائي . هم شخصيات تتصف ” بالجدلية ” حول تقييم ادوارها عبر العصور . تختلف وتتغير الخ . اين ذهبت علمانياتكم العقلانية في تقييم العظماء ؟ واخيرا حاولوا ان تضعوا نشيدا ملائما للعصر . لا احد سوف ينكر ذلك عليكم ان تمت الموافقة عليه في مجلس الشعب مستقبلا . يكفينا ردحا وعويلا . للنظر للمستقبل بعيون رحبة محبة للجميع”
يشكر الصديق على سؤاله , عموما لايمثل النقد , أي نقد ابن الوليد والرشيد (اهانة), ولاهو من انتاج العقد النفسية , لقد احتلوا وقتلوا وذبحوا وسرقوا , ولا وجود لاجرام لم يمارسوه بحق بلادنا , وبذلك استحقوا ليس النقد فقط انما التجريم والعقاب ايضا , ثم أن التطرق الى القائد سيف الله المسلول وللخليفة صاحب أكبر كرخانة في التاريخ , كان دائما تطرقا بالنيابة, أي الوليد والرشيد نيابة عن الغزاة , أي نيابة ابن العاص أو المتوكل أو عبد الملك أو غيرهم , نيابة عن كل رجال الخلافة , الذين “فتحوأ” واحتلوا بالسيف بلدان غيرهم واستعبدوا شعوبا أخرى , ثم لفقوا تبريرات لهذه الفتوحات , التي لايمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال .
من التلفيقات كانت تلفيقة التحرير والتحضير , فالغزو كان حصرا , كما شرح وأكد ذلك المؤرخ العراقي علي الوردي , بهدف غنائم الحرب , وأمر التحرير كان كذبة عملاقة , لأن المحرر كان مستعمرا وفاتحا , أي متكلكا للأرض المفتوحة , لقد تم غزو بلاد الشام كما تم غزو الهند , وكما تمت غزوة شمال افريقيا وحتى اسبانيا وجوارها , فهل غزوة الهند كانت لتحرير الهتد من الرومان ؟ .
لايقتصر مفهوم التحرير على استبدال المستبد , الذي قد يكون أسوء من سلفه , انما يتضمن العديد من العناصر الأخرى , مثل التحرير من الجهل , فمفهوم الانتداب مثلا كان من أجل التأهيل لممارسة الحكم الذاتي , التحرير يعني التحرر من الفوضوية والقصور السياسي , ثم التمرين على الانتظام والعمل بالقانون , يتطلب التحرير عموما تفوق المحرر حضاريا في ممارسته للحرية وحضارة فهمه لمفهوم الحرية ,وهل تفوق بدو الجزيرة على أهل بلاد الشام في هذا الخصوص ؟
لو لم تكن فرنسا متفوقة في بناء الدولة ورعايتها على سوريا , التي لم تكن ” دولة ” في القرون الأربع عشر الأخيرة , لما كان للانتداب الفرنسي أي معنى , ثم أن الانتصارات العسكرية في تلك الأيام لم تكن تحريرا , بل استعبادا جديدا , القبائل الجرمانية لم تحرر روما, ومحمد الفاتح لم يحرر بيزنطة , وهلاكو لم يحرر أحد , وابن الوليد لم يحرر أهل بلاد الشام , انما وضعهم في حالة استعمارية بدائية استغلالية لمدة طويلة جدا , السلطان سليم لم يحرر,انما استعبد كبديل عن استعباد المماليك , واردوغان بعودته الى حدود القلب لم يحرر , شعر بأنه محشور ضمن ٧٨٠ ألف كم٢ , وتركيا القلبية أكبر من تركيا الجسدية حسب تعبيره الخنفشاري , لذلك اراد التحرر من الحشر عن طريق سرقة اراضي غيره ,الأمي لايعلم الأبجدية , وفاقد الحضارة لايعطيها , والبدوي المدمن على السطو بالسيف على القوافل لايعلم الشرف , اللص يعلم اللصوصية , والقاتل يعلم القتل, والمتأخر لايقدم , والبدوي لايحضر ….من أين له هذه المقدرة ؟؟
ماهي هذه الحضارة العربية -الاسلامية التي ارساها ابن الوليد والرشيد وغيرهم , حضارة اقتصرت على القتل والذبح والغزو والسبي ..الخ, ليست حضارة , هذا اسمه انحطاط يختلف بشدة عن حضارة السوريين المتمثلة بالحرف والفلسفة والزراعة والانتاج والعيش من عرق الجبين , السوريون لم يشاركوا في صناعة الانحطاط الذي جاء به الغزاة مثل ابن الوليد , العكس من ذلك كان بخصوص روما , لقد كانت هناك مشاركة وشراكة بين روما وسوريا , كان هناك تفاعل وتبادل بين أهل بلاد الشام والرومان , والدليل على ذلك قياصرة روما من أصل سوري , الدليل أيضا هو تشابه ما نراه الآن في بلاد الشام من شواهد حضارية مع شواهد روما الحضارية , بينما لاوجود لتدمر في مكة ولا لماري أو ابلة في المدينة أو الجزيرة العربية, لم يترك الاحتلال البدوي الغزوي اثرا مرئيا بعد رحيله باستثناء البدائية الانحطاطية والتراث البدوي المتمثل بالفساد والعنف والاستعباد ثم الثأر وفساد مفهوم الحق البدوي ثم القبيلية والعشائرية .
لقد كان استعمارا تملكيا قبيحا , لا أسوء منه سوى الاستعمار العثماني , ولا يعرف التاريخ أسوء من الاستعمار العثماني , الدليل على ذلك هو حال البلدان التي رحل العثمانيون عنها والممعن في التردي والتأخر حتى الآن , حتى بعد مئة سنة من زواله.
لاعلاقة للسوريين , أي سكان سوريا وباقي بلاد الشام مهما كانوا ومن كانو بعظمة ابن الوليد أو دونيته أو أخلاقه لطالما بقي في قريش , أما وقد أتى بالسيف ذابحا وباترا للرؤوس , وبفرض من العروبيين والاسلاميين علينا الآن أن ننشد له , فالأمر تغير , ليس بسبب عقدنا النفسية وانما بسبب استمرار الاستعمار النفسي العثماني العربي البدوي , والذي اعاق تطور البلاد , على الأقل من ناحية توطن العنف البدوي والفساد البدوي وفلسفة غنائم الحرب البدوية في تراث الحاضر ,هناك من يريد نقل كل الماضي البائس الى الحاضر , كالبعث والاسلاميين , يريدون بتر يد السارق , وصلب المفطر ,وبيع النساء واقتناء الجواري وممارسة السبي , كل ذلك عشناه مؤخرا واقعيا وليس تصورا , ولا يمكن مجابهة كل ذلك سوى بتفكيك وتشريح القدوات والرموز , ثم الانعتاق من نفسية السيف والعنف والانحدار الأخلاقي , اننا في حالة تهمل الانساني وتمارس الحيواني .
زرعت الفتوحات في نفوس الناس ذلك التمركز حول الانتصار الحربي كحل لكل مشكلة , الانتصار الحربي هو مفتاح الرقي والمجد !!!! , لذلك نمجد القتلة والمجرمين ,وهذه هي الحيونة بكامل معالمها , التي منها اهمال النجاح واهمال الانساني , والاعتقاد الراسخ بأن الانتصار في الحروب هو ترجمة للنجاح في الحياة, لم يقدم لنا التاريخ الذي صنع من قبل الغزاة سوى مادة الانتصار في التحارب , ثم ممارسة السلب والنهب وتطبيق أحكام توزيع الغائم والسبايا واموال الجزية , دروس وتمارين في البربرية والعنف والاجرام ,هاهو سليمان القانوني يعدم ابنه الأمير مصطفى ويتفرج على عملية الاعدام , ثم يعدم ابنه بيازيد وأطفاله الأربعة , ومحمد الفاتح عمل بقانون “نامه” وقتل اخوته, لم يكن هناك سلطانا الا ومارس الاجرام , ولا خليفة الا وأجرم , ولا يختلف خلفاء قريش عن خلفاء وسلاطين آل عثمان , هؤلاء جميعا أصبحوا رموزنا وقدواتنا , ومنهم يجب أن نتعلم ولهم يجب أن ننشد ونمجد , ماتعلمته هذه الشعوب من الغزاة كان السبب الرئيسي لانحطاط الحاضر وانعدام أفق مستقبل وردي .
——-=
عن الفيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى