المجتمع

من المسؤول عن تغييب مشاركة المرأة السورية في العمل السياسي؟/ كفاح زعتري

تمثيل المرأة في الهيئات السياسية لا يطال مراكز صنع القرار، ووجودها لا يتعدى ضرورات الديكور. وهذا يعكس الثقافة المجتمعية الذكورية التي توزع الأدوار المرأة لبيتها ومطبخها، والرجل لطبخ السياسات.

شاركت المرأة السورية منذ انطلاقة الثورة عام 2011 بفاعلية لافته بهرت العالم، إن دلت على شيء إنما تدل على مستوى عالٍ من النضج الفكري والسياسي، مما يعطي انطباعاً بأنه سيكون للمرأة في سوريا الحديثة مكانة مميزة، وستكون شريكة بصناعة القرار على الصعيد السياسي والاقتصادي وشريكة بصياغة مستقبل سوريا.

غياب المرأة عن المشهد السياسي
اليوم وبعد أكثر من ثمان سنوات يلاحظ غياب المرأة تماماً عن المشهد السياسي في الداخل السوري، وتراجع كبير في حضورها السياسي خارج سوريا. فتمثيلها في الهيئات السياسية لا يطال مركز صنع القرار، ووجودها لا يتعدى ضرورات الديكور. وهذا يعكس الثقافة المجتمعية الذكورية التي توزع الأدوار فتكرم المرأة في بيتها ومطبخها، وتترك للرجل طبخ السياسات التي تحدد مصير البلد، لتبقى السياسة عملاً ذكورياً بامتياز.

من خلال المحك التي فرضته الثورة السورية وما تمخض عنها، نجد أن “السياسيين” السوريين، أفراد وتشكيلات سياسية وليدة؛ تظهر حالة من الضعف البيّن، فالأحزاب الوليدة أغلبها متخبط ويفتقر إلى الرؤية والاستراتيجية، أو يغلب على خطابه النبرة الشعبوية، أو أنه مرتهن للجهة الممولة.

والهيئات التي يفترض أنها ممثلة للشعب السوري وخاصة “الائتلاف” لم تنجح بصياغة خطاب يُقنع العالم بأنه يمكن أن يكون البديل في المرحلة الانتقالية، لا بل، قدّم بنية تقوم على الفساد المالي والإداري.

الضعف السياسي حالة عامة
كما أوضحت سيرورة الأحداث، فإن الضعف السياسي ونقص الخبرة، حالة عامة لا تطال النساء فقط، ولا يبرر إقصاء المرأة بحجة نقص الخبرة والكفاءة، كيف ستتكون الخبرة دون الممارسة العملية للعمل السياسي ودون دخول التجربة، لنكن واقعين ونعترف بأن العقلية الشمولية والتفكير الإقصائي سمة السوريين رجالاً ونساءً، “إلا من رحم ربي”.

الخطوات اللازمة للوصول إلى مشاركة فعالة
حول الخطوات اللازمة للوصول إلى مشاركة فعّالة في الحقل السياسي، والمعايير التي تحكم وصول المرأة إلى مواقع سياسية هامة، تقول السيدة “انتصار الخطيب” العضو في حزب الجمهورية: “برأيي يوجد سببان لعدم تطور العمل السياسي للمرأة، اجتماعي وسياسي. العامل الاجتماعي يتعلق بالأحزاب السياسية التي تصدرت المشهد السياسي في سوريا من خلال فترة الستينات، كانت أحزاب المد القومي وهي بطبيعتها أحزاب محافظة تحتكم بأدبياتها إلى العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، ولم تكن قضايا الدعم السياسي للمرأة من اهتماماتها. في الثمانينات، باتت الحياة السياسية معدومة، إثر البطش الأمني والتنكيل الذي طال أغلب أعضاء الأحزاب المعارضة من رجال ونساء، وهذا أدى إلى ابتعاد النساء عن العمل السياسي، بل وابتعاد الرجال أيضاً”.

تضيف السيدة “صباح حلاق” عضو الرابطة السورية للمواطنة قائلة: “إن حصول المرأة السورية على حق التصويت عام 1949 وحق الترشح والانتخاب 1951 وهي من الحقوق السياسية الهامة التي من المفترض أن تكتمل بحصولها على حقوقها الاجتماعية في الفضائين الخاص والعام. ولكن لم تستطع النساء السوريات الحصول على “كوتا نسائية ” بحدها الأدنى 30% واستمر هذا الأمر قبل الثورة ليومنا هذا”.

السيدة “هالة ع” عضو الحزب الشيوعي سابقاً تقول: “عندما مرت سوريا بفترة انفراج ديمقراطي، كان هناك الكثير من السيدات اللاتي كان لهن دور على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي “نازك العابد”. ولما جاء نظام الاستبداد أدخل مفاهيم غريبة، شوه الأسرة وحرم المرأة من التطور الطبيعي والارتقاء بدورها في الحياة الاجتماعية والسياسية، ودورها دخل ضمن لعبة الاستبداد، الممارسة عليها وعلى الرجل على حد سواء.

مسؤولية المرأة عن هذا الواقع
حول مسؤولية المرأة عن هذا الواقع، تقول “الخطيب” موضحة: “كي نحاكم كفاءة السياسيّات يجب أن يكون لديهن الفرصة في ممارسة العمل السياسي وهذه مسؤولية جميع الأطراف المعنية بنهوض المجتمع السوري. العمل السياسي ليس رغبة فقط، هو مهنة يجب احترافها بشكل علمي للوصول إلى نتائج صحيحة، وبالتالي؛ على السيدات المهتمات بالشأن السياسي أن يمتلكن ثقافة سياسية، لامتلاك مفاتيح العمل السياسي. إضافةً إلى مسؤولية الأحزاب السياسية التي تتبنى مفهوم تمكين المرأة سياسياً، من خلال وضع خطة عمل واضحة في هذا الاتجاه تصنع منهن، رائدات في المحافل الدولية”.

ضعف تمثيل المرأة في مواقع صنع القرار
عن سبب ضعف تمثيل المرأة في مواقع صنع القرار اليوم، ترى السيدة “حلاق” بأن ” الأحزاب والهيئات والتكتلات السياسية المعارضة والمشكلة بعد الثورة، لا تنص في وثائقها على المساواة بين النساء والرجال، ومازال تمثيل النساء في مواقع صنع القرار ضئيلاً جداً، على الرغم من مشاركة النساء في العديد من لجان التنسيق واللجان الإعلامية وبنسب تتجاوز في بعضها ال60%، إلا أن هذا لم ينعكس فيما بعد بتمثيلها في منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية؛ وكل هذا يعود لأسباب قديمة وحديثة، ومنها العقلية الذكورية المجتمعية، وعزوف النساء عن العمل في السياسة لأنها لعبة تفتقد للأخلاقيات، ولأسباب ضعف تمكينها السياسي والاقتصادي وغيرها من الأسباب”.

أما السيدة “هالة” فبرأيها أن: “التشكيلات السياسية المحدثة هي استمرار للأحزاب القديمة بأشخاصها وعقليتها، فهي تقليدية وإيديولوجية ولا تعبر عن ثورة تريد التغير الشامل. فالمجتمع السوري بحاجة لرؤية جديدة وبرامج عمل تواكب هذا التطور الذي حصل، والذي برزت فيه المرأة وعبرت من خلال مشاركتها بالثورة عن تطور يفوق العقلية الحزبية الموجودة في الاحزاب السورية” وتضيف “المرأة السورية لا تنقصها الكفاءة. ينقصنا أحزاب سياسية وطنية منفتحة، وبرامج واضحة تتعلق بالمرأة. أما الخبرة فتكتسب من الممارسة. وبالنسبة للهيئات التمثيلية تقول “هالة” “المجلس الوطني والائتلاف لم ينجحا بتقديم مشروع وطني يكون بديلاً واضحاً عن النظام وهذا هو الأساس، فهل ننتظر أن يكون لديهم برنامج يخص المرأة”.

تحقيق مشاركة فعّالة في العمل السياسي
لتحقيق مشاركة فعالة في العمل السياسي من وجهة نظر السيدة “الخطيب”، يتطلب: “بداية الانخراط في العمل مع الأحزاب السياسية التي تناسب توجهاتهن. ومحاولة العمل الجاد من داخل الحزب لامتلاك الخبرات في الحوار والنقاش المنطقي، وامتلاك زمام المبادرة. وكذلك عليهن أن تَعين مفهوم المشاركة والتعاون لدعم قضيتهن. فالثورة بمختلف وسائل تعبيرها السياسي والمدني هي فعل ديموقراطي يحدث للمرة الأولى في تاريخ سوريا، فمسؤولية الجميع رعاية هذه الثورة والعمل الجاد للوصول إلى مجتمع ديموقراطي تسوده العدالة والمساواة”.

إحدى البوابات الهامة لتحقيق هذا الغرض هو المنظمات النسائية، فبرأي السيدة حلاق: “إن نشوء منظمات وتجمعات تعمل على قضايا المرأة يعد عملاً إيجابياً، بل هو مطلوب نظراً لحاجة المجتمع السوري للعديد من المنظمات لتغطية الإهمال الكبير الذي عانت منه نساؤنا”

وتختم السيدة “الخطيب” قائلة: “يجب الاعتراف بوجود سياسيات ولديهن مَلكة العمل السياسي، تم استبعادهن رغم محاولاتهن الجادة ونضالهن المتواصل من أجل الحرية والعدالة.”

إقصاء المرأة في مجتمعاتنا.. مسؤوليّة من؟!
من الملاحظ من الحالة السورية، وربما هذا الأمر ينطبق بشكل أو بآخر على معظم المجتمعات العربية، ما تزال المرأة تعيش على هامش الأدوار الأساسيّة، رغم كل ما قدمته، وما تقدمه حتى اليوم، ولم تستطع رغم دورها الفاعل، وأدائها المميز من الوصول إلى مراكز القرار العليا، وإثبات حضورها الحقيقي والمنافِس إلى جانب حضور الرَّجل، والّذي للأسف لا يزال يستأثر، في معظم الوقت، بالقرار والسّلطة والحكم والمناصب الرَّفيعة.

نتساءل مع المحامية سوسن غبريس، بأن المجتمعات لا يمكن أن تنهض وتقوم إلَّا بجناحيها؛ الرَّجل والمرأة معًا، فمَن الّذي يتحمَّل مسؤوليَّة إقصاء المرأة، غالبًا، عن مثل هذه الأدوار في مجتمعاتنا، في الوقت الّذي نراها تصل في الدّول الغربيَّة وغير الإسلاميَّة إلى أعلى المناصب ومراكز السّلطة، وتنافس الرّجل في كلّ الأدوار والمهامّ؟

إنّها تساؤلات جدّيّة نسمعها في كلّ يوم، من نساء لم يعد الكثير من الكلام والتّبرير يقنعهنّ، وهنّ يرين أنفسهنّ مقصيّات عن لعب أدوار أساسيّة في المجتمع، في الوقت الّذي يملكن الكثير من المؤهّلات الّتي لا تقلّ شأنًا عن مؤهّلات الرّجل.

فمن يجيب؟ ومن المسؤول حقًّا؟ وإلى أين يمكن أن تصل الأمور؟ وهل سنبقى نتجاهل الواقع من حولنا؟
——-
/ عن موقع “الأيام السورية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى