الخيام التعليمية.. بديلاً عن المدارس! وملاذ أطفال نازحين من الجهل / دارين الحسن
في طريق وعر متعرج، ورغم البرد والطين والأحوال الجوية السيئة، يمشي الطفل سليم الحجي (10 سنوات) النازح من ريف إدلب الجنوبي، كل صباح إلى مخيم آخر برفقة أخته ريم التي تصغره بعامين، لتلقي دروسهما في الخيمة التعليمية، ويؤكد الطفل أن المخيم الذي يقطن به يخلو من أي مركز تعليمي، الأمر الذي يفرض عليه وعلى بقية أطفال المخيم معاناة مضاعفة.
يقول سليم: “نزحنا من منازلنا ومدارسنا منذ أكثر من سنتين، ولا زلنا نصر على متابعة تعليمنا، لكننا نقطع مسافات طويلة، ونضطر للخروج باكراً من المخيم حتى لا نتأخر عن دوامنا المدرسي في المخيم المجاور”.
فرضت الحاجة إلى التعليم في مخيمات الشمال السوري، ظهور ما يعرف بـ”الخيام التعليمية”، التي أصبحت ملاذاً وحيداً لأطفال المخيمات، على الرغم مما تعانيه الكوادر التعليمية فيها من صعوبات كبيرة في تأمين الرواتب الشهرية، والتجهيزات اللوجستية وغيرها من احتياجات العملية التعليمية.
معلمون دون رواتب
يعمل العديد من المعلمين بشكل تطوعي بسبب غياب الدعم عن معظم الخيام التعليمية، ومنهم من يضطر لترك المهنة، فيما يفضل آخرون العمل بمهن إضافية لتأمين احتياجات أسرهم.
مروان الرحال (36 عاماً) معلم نازح من مدينة سراقب إلى مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، يعلم الأطفال في المخيم منذ سنتين دون أن يحصل على أي راتب لقاء عمله، وعن معاناته يقول لطلعنا عالحرية: “بعد نزوحي من مدينة سراقب إلى هذا المخيم، بدأت بتعليم الأطفال لسدّ النّقص في الكادر التعليمي، فعلى الرّغم من ضيق العيش نحرص على تعويض أطفال المخيم عن بعض ما فقدوه في مأساة النزوح، ونحاول التكيف مع مآسي الحرب، وتلافي النقص في مقومات العملية التعليمية بإمكانيات بسيطة”.
ويشير الرحال إلى أنه لا يتقيد بالمنهاج في تعليم الأطفال، ولكنه يركز على المواد الأساسية؛ وهي القراءة والكتابة والحساب، ويؤمن ثمن أقلام السبورة والقرطاسية من تبرعات أهالي المخيم.
ويؤكد الرحال أن عمله تطوعي حتى الآن، دون أن يحصل على أي راتب أو منحة مالية، رغم أنه معيل لأسرة مكونة من ستة أفراد، ما اضطره للعمل في بيع مستلزمات الهواتف الجوالة في خيمته لتحصيل لقمة العيش في ظل الغلاء والنزوح.
الازدحام وغياب التجهيزات
يعاني المعلمون والتلاميذ في الخيام التعليمية من الازدحام والضجيج، إلى جانب النقص الكبير في الكتب والمقاعد والقرطاسية والوسائل التعليمية.
المعلم وليد الحسن (41 عاماً) نازح من معرة النعمان إلى مخيم في بلدة كفرعروق شمال إدلب، يعلم هو وثلاثة معلمين آخرين أطفال المخيم، ويضطر لصنع الوسائل التعليمية بنفسه، ويقضي بعد عودته إلى المنزل وقتاً طويلاً في إعدادها.
“يصعب إيصال الأفكار والمعلومات لطلاب الحلقة الأولى دون وسائل مساعدة من عبارات ورسومات وصور، لذلك أقوم بإعدادها بنفسي في المنزل” يقول وليد.
ويضيف: “الخيمة رغم صغرها، تضم أكثر من 40 طفلاً، وكلهم يجلسون على الأرض لعدم توفر المقاعد، ومنهم من يظل واقفاً، كما يعانون من البرد وعدم توفر وسائل التدفئة، ما يدفعهم للتوقف عن ارتياد الخيمة التدريسية في الأيام الماطرة والباردة”.
الطفلة لين العمر (12 عاماً) نزحت مع أسرتها من بلدة كفرنبل، تبين أن الخيمة القماشية لا ترد الأصوات القادمة من الخارج، والآليات المارة بجانب الخيمة، ما يعيق استيعاب الدروس بشكل جيد، موضحة: “نأمل أن تصمد هذه الخيام في وجه الحر والبرد، وأن نتمكن من تخطي المصاعب لنستمر بالدراسة حتى نحقق أهدافنا في الحياة”.
أطفال تخلّوا عن التعليم
الكثير من الأطفال تركوا مقاعد الدراسة بعد النزوح، وتوجهوا نحو أسواق العمل، لمساعدة أسرهم في تأمين مصاريف المعيشة.
ماجد السرميني (11 عاماً) فضل بعد نزوحه من بلدة خان السبل إلى مخيم كللي، ترك الدراسة والتوجه للعمل في مهنة تصليح الدراجات النارية، وعن سبب ذلك يوضح: “لا أستطيع الدراسة في ظل الازدحام والضجيج، وسوء الوضع التعليمي داخل المخيم، لذلك فضلت العمل لمساعدة والدي في تأمين احتياجاتنا”.
احتياجات غائبة
الموجه التربوي محمد المصطفى (45 عاماً) من مدينة إدلب، يعتبر أن التعليم حقّ لكل طفل مهما كانت الظروف، وأولوية حتى في ظل الحرب، مطالباً المنظمات والمؤسسات التعليمية بدعم التعليم في مخيمات النزوح لإعادة الطلاب إلى مقاعد الدراسة التي حرموا منها.
يتحدث لطلعنا عالحرية عن احتياجات العملية التعليمية في المخيمات: “تعاني الخيام المدرسية من غياب الدعم المادي وقلة عدد المعلمين ونقص الخبرات والكفاءات العلمية. وتحتاج المخيمات لتأمين جميع مستلزمات العملية التعليمية؛ بدءاً من إنشاء مدارس بدل الخيام القماشية، وتأمين الرواتب الشهرية للمدرسين، والقرطاسية والحقائب للطلاب والمعلمين، إلى جانب احتياجات الشتاء من وقود ومدافئ”.
ويشار أن نسبة انقطاع الأطفال عن التعليم في مخيمات النزوح بإدلب بلغت 59% بحسب آخر إحصائية لفريق “منسقو استجابة سوريا” بتاريخ 4 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، فيما تبلغ نسبة العجز في قطاع التعليم 61% ضمن مخيمات النزوح.
ولا يزال الأطفال يدفعون الثمن الأكبر للحرب التي حرمتهم من أبسط حقوقهم، في ظل الإجهاد الكبير الذي يعاني منه قطاع التعليم ونقص التمويل، والعجز عن تقديم تعليم مناسب ومستدام لآلاف الأطفال.
———
/ عن موقع “طلعنا عالحرية”