المجتمع

بين الشخصنة والموضوعية! / د. ممدوح بيطار

في حياتنا اليومية , أثتاء حوارتنا ونقاشاتنا, لا بد أن يسترعي اانتباهنا استعمال بعض المغالطات المنطقية أو الاخطاء التفكيرية الشائعة, وللمغالطات المنطقية أنواع عدة , من أهمها مغالطة الشخصنة , التي من المفيد تجنبها, لما لها من عواقب ضارة , فهي تنحو بالنقاش نحو الفراغ والعبثية والعدمية , وهي أصلا مظهر من مظاهر تخلفنا وثقافتنا السلبية .
لاتعود ممارسة الشخصنة بالفائدة على أحد , وتعريفا يمكن القول بأن الشخصنة هي الحكم على الفكر أو الفكرة من خلال من خلال الشخص الحقيقي او الاعتباري (حزب أو تيار أو مذهب ..الخ) , الذي تنسب اليه الفكرة والأفكار , لا من خلال مضمون الفكرة , حيث يتم التعامل مع الشخص مزاجيا , اما تعظيم وبالتالي كل مايطرحه صحيح أو تقزيم وبالتالي كل مايطرحه خاطئ , تعظيم الشخص أو تقزيمه يخضع الى أحكام التعصب والعنصرية القومية او الدينية او غير ذلك من العصبيات , العروبي بنظر عروبي آخر على حق مهما كان رأي العروبي الآخر , المسلم بنظر مسلم آخر على حق مهما كان رأي المسلم الآخر …
للشخصنة شكل معاكس لما قيل , فصاحب الفكرة الموازية لفكرتي هو شخص عظيم , وصاحب الفكرة المجانبة او المعاكسة لفكرتي هو قزم سقيم , الشخصنة تخرب تقييم الفكرة بلصقها بنوعية الشخص , وتخرب تقييم الشخص بلصقه بنوعية الفكرة , وبذلك تدمر الشخصنة اما الفكرة أو الشخص أو كلاهما وتقضي على الموضوعية وتعرقل وصول النقاش الى الصواب أو الحقيقة ,
أكتب مقالا عن موضوع ما , ومهما كان الموضوع وطريقة بحثه ونتنائج هذا البحث فسيكون هناك عدة ارتكاسات منمطة , منها ارتكاس يخص الموضوع فهناك من يرى الخطأ في هذه الفكرة والصواب في الفكرة الأخرى , الارتكاس موجه بشكل كامل لمضمون الموضوع بغض النظر عن شخص كاتبه , هناك ارتكاس آخر وهو الشخصنة , هذا الارتكاس يتوجه الى شخص الكاتب , فالكاتب حاقد , الكاتب سطحي ..الكاتب معتوه ..انه ذيل وعميل صهيوني – امريكي يريد القضاء على الاسلام والنيل منه , يعتمد الارتكاس المشخصن في هذه الحالة على نظرة ورائية للشخص , لطالما كتبت ياعزيزي يوما ما مقالا ناقدا أو غير مستساغ فسوف تؤول ياعزيزي الى مصنف الأقزام ,فما يطرحه القزم من أفكار يستحق الادانة والاحتقار والازدراء , أفكار القزم مدانة حتى قبل التعرف عليها , بالمقابل استساغة مقالا ما يرفع شخص كاتبه الى مرتبة العظماء حيث قد يصل الأمر الى التقديس , يبقى العظيم عظيما والقزم قزما , بغض النظر عن تطور الشخص أو تطور النص ايجابيا أو سلبيا .
توقفنت اثناء كتابتي لهذه الأسطر لبعض الدقائق , وفي هذه الدقائق قرأت بسرعة مقالا للكاتب أحمد عصيد , المقال كان لافت للانتباه , مالفت الانتباه ايضا كان التعليق المشخصن حتى النخاع … قال احدهم : عصيد أمازيغي, كلب قذر , يقتات من مزابل الغرب , رويبضة , منبوذ , فرانكوفوني … لم يكن من الضروري اللجوء الى تعليقات حول أحمد عصيد للتعرف على هذا النوع من الشخصنة , فلدي وافر من التعليقات حول ما أكتب والمشخصن منها لايختلف اطلاقا عن ما تمت كتابته حول موضوع الاستاذ أحمد عصيد , فهذا النموذج من الارتكاس هو المألوف ,وله شعبيته وتعليق من هذا النوع يفرز تعليقا آخر …جزاك الله خيرا يا أخي لافض فوك… الى آخر اسطوانة التعظيم بالشخص بعد أن تم تقزيم غيره, من الملاحظ ممارسة الاسلاميون أكثر من غيرهم لأسلوب الشخصنة , ..السؤال ما سبب ذلك ؟
كلما ضعف الانسان ثقافيا وفكريا مال الى الشخصنة, وكلما قوي الانسان وتقدم وأصبح قادرا على الاعتماد على نفسه وأكثر استقلالية مال الى الموضوعية , فالحر ذو العقل الشغال يبتعد عن الشخصنة ,والضعيف مسلوب الارادة يقترب منها كوسيلة دفاع زائفة , أخيرا لي ملاحظة لابد من ذكرها , وهي أنه من العسير جدا فصل الشخص عن فكرة ومضمون النص فصلا تاما , الا ان درجة الفصل الضرورية يجب أن تكون كافية لتقييم الفكرة بشكل كاف وموضوعي ومحايد بغض كاف للنظر عن الشخص!
——–
/ عن موقع ” syriano.net “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى