فشل الأوطان وازدواجية الانتماء والولاء والوفاء / سمير صادق (*)
تتصف أزمة الهوية والانتماء في هذه البلاد بالعمق والشمولية , ففي سوريا هناك من يسكنها , الا أنه ينتمي وجدانيا وعاطفيا الى وطن آخر , ان كان الوطن العربي التخيلي أو الوطن الاسلامي الافتراضي أو الخلافة العثمانية التي لاوجود لها ,فما هو المسبب لذلك ؟
بدأت التزويرة والغش باعتبار الكيانات العربية وطنا واحدا , واعتبار الاسلام الأممي أمة واحدة , اذ أنه من خصائص الدين كون جوهره أممي , فالاسلام ليس أمة واحدة كما أن المسيحية ليست أمة واحدة , وحتى الشعب السوري ليس أمة واحدة , فهو مؤلف من كيانات متعددة ومعقدة ومتعارضة احيانا ومتواجدة في حالة تتداخل بها الولاءات المحلية مع الوطنية مع العائلية , والأهم من كل ذلك الولاءات المستحضرة من ماض افتراضي كالولاء للعروبة او الاسلام او الخلافة العثمانية أو القومية الكردية أو العربية , فالحدود الجرافية لاتتطابق مع الحدود الديموغرافية , ولا مع حدود المشاعر والادراك والوعي , أي أن الأمر يتعلق بالتعددية التي تتحول في حالة النضوج الى وحدة ,وفي حالة الجهل والكسل العقلي الى تفرقة , التعددية قد توحد وقد تفرق ,ونصيب السوريين منها كانت التفرقة المتمثلة بانشطار الهوية وتمزق الوجدان الوطني بين ادراك ساكن سوريا لسوريته أو ادرك ساكن سوريا لعثمانيته أو اسلامه أو عروبته .
لم يساهم الدين في تحرير العقل السوري , بل ساهم في استعمار العقل السوري وافراغه من خاصة الابداع وحشوه بمفاهيم ثابتة تسيطر عليه أولا , ثم تسيطر على ثقافته , التي تعني سياسة واجتماع واقتصاد ومسلكية ثم حقوق وواجبات , السوري مشطور بين أحكام ثقافة الحقوق والواجبات الدينية , وبين ثقافة الحقوق والواجبات المدنية , فلا هو قادر على ممارسة ثقافة الحقوق والواجبات الدينية في ظل قانون مدني , ولا هو قادر على ممارسة مفاهيم الحقوق والواجبات المدنية في بيئة موبوءة بالتراث الديني ,عليه أن يستسلم في مكان ما والاستسلام صعب !
لايمكن للدين أن يكون سياسي , ولا يمكن للسياسة أن تكون دينية , لذلك فان تعبير الاسلام السياسي يحمل في طياته قمة التضاد والتناقض , الدين ثابت والسياسة متحولة ومتغيرة , وجمع الثابت والمتحول هو جمع الشيئ وضده ,ولا يمكن لهذا الجمع ان يتم الا عند مسخ المكون االديني أو مسخ المكون السياسي , أي هيمنة طرف على الآخر هيمنة مطلقة , بكلمة أخرى تجتمع في عملية المسخ القسرية بذور الخلاف التي تنتهي بالاقتتال , فالمكون الديني متعصب بمستوياته المختلفة والمتعددة وغير قابل , نظرا لقدسيته, على ممارسة التنازل عن أي شيئ , اما كل شيئ أو لاشيئ ..اما قاتل أو مقتول !!! , أي انتفاء السلمية والتفاهم والتفهم , انتفاء السلمية منخر لعظام الوجود الثقافي أي سياسة واجتماع واقتصاد , ولاعتماده على الهيمنة فهو مميت للحرية والمساواة وللعدالة الاجتماعية , فلا عدالة بين مهيمن ومهيمن عليه , القهر والاضطهاد هو شكل العلاقة الوحيدة بين المهيمن والمهيمن عليه ,كل ذلك يمثل تطورات نراها ونلمسها والمسبب لها هو الاسلام السياسي بتناقضاته البنيوية الوظيفية .
تطرح اشكالية الهوية والانتماء نفسها كقضية مصيرية , فهل من يعيش في هذه البلاد على مستوى الوطن والمواطنة سوري أو مسلم أو عربي أو عثماني ؟ ابن العشيرة او ابن سوريا ,على مستوى الوطن والمواطنة لاتوجد امكانية الانتماء والولاء المزدوج , وعلى هذا الاساس لاتعترف معظم الدول بثنائية الجنسية , كيف سيتصرف العثماني السوري تجاه غزوة اردوغان لسوريا ؟, الغزوة أحرجته وكشفته , وشأن العروبي لايختلف عن شأن العثماني , فالعروبيون مصطفون صفا واحدا في تأييد احتلال سوريا من قبل بدو الجزيرة ولائهم هو للقريشي ابن الوليد او الرشيد او غيرهم , كيف سيكون موقفهم لو تأزمت الأوضاع بين سوريا وبين السعودية ولو اشتعلت نيران حرب بينهما , كما هو الحال مع تركيا ؟؟؟
لايسمح الولاء للوطن , والمؤكد عليه دستوريا بتصرفات من هذا النوع , اي بازدواجية الولاء والوفاء , الدستور يصنف هؤلاء بحق في مصنف الخونة , العروبي الممجد للقريشي الذي احتل البلاد بالسيف واستمر احتلاله للبلاد ١٠٠٠ سنة ثم حاول تملك البلاد كغنيمة حرب , هو خائن , شأنه شأن العثماني الذي ساهم في احتلال الشمال السوري مع جيش اردوغان , انه خائن دستوريا وأخلاقيا ,, أو هناك تسمية أخرى لمسلكيته !
——–
(*) سمير صادق هو كاتب ومفكر سوري