المجتمع

هل لم تزل هناك فرصة لتوبة رجال الدين؟ / د. توفيق حميد(*)

وأخيرا صرحت مؤسسة الأزهر على لسان الشيخ أحمد الطيب  بجواز تولي المرأة الوظائف العليا والقضاء والإفتاء، والسفر دون محرم إن كان آمنا، واعتبار الطلاق التعسفي بغير سبب حرام وجريمة أخلاقية. وقد أكد فضيلة شيخ الأزهرالشيخ أحمد الطيب أنه لا وجود لبيت الطاعة في الإسلام، وأنه لا يحق للولي منع تزويج المرأة بكفء ترضاه دون سبب مقبول، وأن للمرأة أن تحدد لها نصيبا من ثروة زوجها إذا أسهمت في تنميتها.

وقبل ذلك، دعا الشيخ الطيب إلى عدم ‏تقديس التراث الفقهي، أو مساواته بالشريعة، وذلك من خلال برنامجه التلفزيوني الرمضاني “الإمام الطيب” الذي يذاع على عدد من القنوات والمنصات الرقمية في شهر رمضان، وهي زاوية ثابتة يطل منها الشيخ الطيب للحديث عن الأمور الفقهية.

كل هذا جميل ورائع ولكنه يثير أمرا هاما ألا وهو ومن يدفع ثمن وفاتورة جريمة “كتمان” هذه المفاهيم عبر مئات من السنين من عمر الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية التي تبنت مبدأ إباحة ضرب الزوجة لتأديبها وتبنت فكرة “بيت الطاعة” وإذلال المرأة ودعمت ختان المرأة وحرمانها من المتعة الجنسية التي خلقها الله فيها، وأباحت قتل المرتد وتارك الصلاة وروجت لفكرة الرجم حتى الموت للزناة المحصنيين بالرغم من تناقض ذلك مع القرآن الكريم!

وأقولها بصوت عال يملأ أرجاء المعمورة “من سيدفع ثمن وفاتورة تلك الجرائم” التي أثرت في كل أرجاء العالم الإسلامي؟

فليخرج علينا رجال الدين ومشايخ الأزهر وغيرهم من الدعاة الذين قهروا المرأة وأذلوها لأكثر من ألف عام ليقدموا اعتذارهم الرسمي لها!

ولا أدرى في تلك اللحظات إن كان الاعتذار يكفي أم لا، ولكني أعرف شيئا واحدا ألا وهو أنه لا توجد كلمات تكفي لرد كرامة امرأة ضربها زوجها باسم الدين أو أجبرها على الدخول ذليلة في “بيت الطاعة”.

وعلى افتراض غير حقيقي في هذا  المضمار، وهو أن الاعتذار عن كل هذه الجرائم في حق المرأة قد يكفي البعض -فأنا ليس لدي أدنى شك أنه لا يكفي ولن يكفي لإعادة الحياة لإنسان تم قتله بحد الردة ولن يكفي لتخفيف آلام طفل رأى أمه ترجم (بضم التاء) بالحجارة حتى الموت طبقا للشريعة الإسلامية وبالقطع لن تكفي لإعادة الحياة لمن ماتت بسبب تعاليم فقه التراث رجما بالحجارة دون رحمة!

والجريمة التي ارتكبها رجال الدين وفقهاء الشريعة عبر القرون هي أنهم كتموا ما أنزل الله من البينات. والكتمان غير الإخفاء، فهم لم يخفوها ولكن كتموا صوت آيات عديدة وأعلوا من صوت فقههم الضال.

فالقرآن يرفض قتل المرتد ولايبيح إلا المعروف أو الإحسان في معاملة المرأة ويرفض بوضوح مبدأ رجم إنسان حتى الموت ولكن فقههم يبيح كل تلك الجرائم.

ولن ننسى كيف أن القرآن أباح للمرأة أن تطلق نفسها وهو ما أسماه الفقهاء بالـ”خلع” (بضم الخاء) ولكنهم كتموا عن الناس لمئات السنين هذا الحق القرآني الواضح في صريح الآيات (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ- سورة البقرة آية 229) وتركوا آلافا من الزوجات يتجرعن مرارة العيش مع إنسان لا تطيقه باقي عمرها.

وللأسف فحتى في محاولتهم (أي محاولة بعض رجال الدين) إظهار أنهم يصلحون المفاهيم فهم لا يزالون يصرون على كتمان معاني القرآن. فها هو شيخ الأزهر يقول “أنه لا يحق للولي منع تزويج المرأة بكفء ترضاه دون سبب مقبول”، في حين أن القرآن لم يعط أحدا الحق أن يمنع إمرأة من الزواج ممن تريد سواء كان لديه سبب مقبول أم لا. فالقرآن يقول في هذا الأمر وبدون أي إستثنائات له “فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ (أي تمنعوهن) أَن يَنكِحْنَ أَزْوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوْاْ بَيْنَهُم بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ “.

وأتذكر وأنا أكتب هذه الكلمات قول الله عز وجل:  إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ  اللَّاعِنُونَ (سورة البقرة آية 159-160)!

فهل سيسامح الله هؤلاء الشيوخ عما فعلوه؟  لا أدري … ولكن القرآن يكمل هذه الآية بقوله:

إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (سورة البقرة)
——–
(*) د. توفيق حميد هو مؤلف ومفكر مصري، وعضو سابق في الجماعة الإسلامية في مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى