من اشكالية التدين الى التدين الشكلي ../ د. ممدوح بيطار(*)
حالة الشعوب متأزمة جدا ومن كافة النواحي , اقتصاديا ,اخلاقيا اجتماعيا وسياسيا …الخ ,من ناحية أخرى هناك ظاهرة تفاقم التدين (الشكلي) , صحوة التدين كانت غير مسبوقة , صحوة التدين شملت كل تفاصيل الحياة اليومية من لباس وطعام وصلاة وصوم وسياسة , فالسياسة تدينت ايضا وصار لها اسلام سياسي سني وشيعي وغير ذلك .
اكد معهد جالوب لاستطلاع الرأي , تصدر الشعوب العربية الاسلامية , مقارنة مع شعوب العالم, لممارسة التدين , الى جانب تصدرها لشعوب العالم في التدهور الأخلاقي , وفي البحث عن المواد الاباحية , والاباحية مختلفة جدا عن الحرية الجنسية , احتلت هذه الشعوب الصدارة في ممارسة الفساد , وفي ممارسة الاغتصاب الجنسي والسياسي والمادي , ثم الاجرام المتجلي بجرائم الشرف , واحتقار المرأة عن طريق تحويلها الى ملحق لفرجها , اضافة الى كل ذلك هناك العنف اليومي في تعامل الناس مع بعضهم البعض , والذي لم يتحسن خلال القرون الأربع عشر الأخيرة , هذا الى جانب قمع الغير المختلف سياسيا ودينيا واقصائه , ثم التزمت ,الذي لاتعرف البشرية مثيلا له بخصوص الانتماء الديني ورفض التعددية الفكرية , قائمة تصدر هذه الشعوب للممارسات ذات الطبيعة السلبية الهدامة أطول مما ماذكر بدرجات , ولا مجال أو حتى لا ضرورة للمزيد من التفصيل .
للتدين العديد من الأشكال , ومن الأشكال المهمة بالنسبة لتطور شعوب هذه المنطقة كان التدين الشكلي التظاهري , الذي تحول الى سمة شعبوية عامة متميزة بالسطحية بدون عمق في الدلالة والمعنى, وبدون منطق في الهدف , وحتى بدون روحانية او اخلاقية, المجتمعات غرقت في ثقافة التدين الشكلي , مثل ارتداء الحجاب واقامة الصلاة على قارعة الشوارع والطرقات , ثم ممارسة الطقوس التعبدية الهزلية التهريجية , كتمظرات هدفها التأكيد على انتماء الممارس شكليا للتدين الى جماعة الايمان , أو وضع حجاب على الرأس والوجه بينما ماتحت الزنار عاري , عموما هناك حرص على ابراز الصبغة الدينية شكليا وتمظهرا بدون تواجد الدين في العقول والقلوب, وبذلك وضع الأساس للازدواجية والمغالطة والخداع والتمويه على الفحشاء والمنكر , الذي يراد تحويله بتلك الممارسات التعبدية الى فضيلة .
لم يقتصر الأمر على التعبد الشخصي , بل انعكس على التعامل مع الآخر , كالافتاء بضرورة ممارسة الجفاء الاجتماعي مثل تحريم تهنئة المنتمين الى اديان أخرى بأعيادهم , واعتبارهم “كفرة”,مع كل ماهو معروف عن طرق التعامل مع الكفرة , تعامل يتضمن قتال الكافر وحتى قتله واعلان الحرب عليه ثم الطعن في ضميره وتوجهه وأخلاقه , اي شرعنة ممارسة الحروب الأهلية .
ليس الهدف من هجاء التدين الشكلي الترويج الى التدين الحقيقي , الهدف هو تقييم مرحلة التدين الشكلي ودلالات هذه المرحلة , فتطور التدين لاينتظر رأي او رأيك او نصائحي ونصائحك , تطور التدين ليصبح شكليا , بالرغم من وفرة النصائح والمواعظ وبالرغم من التهديد والوعيد , تطور التدين ليصبح شكليا , كحل لاشكالية الدين !!!!!.
هناك العديد من المؤشرات , التي تشير الى انحسار الدين او حتى نهايته , فمن الملاحظ أن المجتمعات التي تتمتع بمستوى معيشي مرتفع ابتعدت عن الدين , وهذا ماسمي “اطروحة العلمانية ” أو سمي “فرضية الأمن الوجودي “, جوهر هذه الفرضية , كلما ارتفع المستوى المعيشي للبشر, قلت حاجتهم للاستجداء لدي الغيبية لانقاص مخاوفهم وازالة قلقهم , كلما تحسنت شروط الحياة المعيشية انخفض مستوى التدين , والانخفاض يعرف عدة مراحل , منها مرحلة التدين الشكلي , فالتدين الشكلي عرض من اعراض نهاية الدين , الذي اتلف الحياة , الاستمرار في تنظيم أمور الحياة من قبل الدين ليس سوى انتحار .
يمثل التدين الشكلي احدى مراحل الافلاس الديني , وبالتالي يمثل مرحلة انتقالية واعدة بالأفضل , انها مرحلة التملص من الدين , أملا بتحقيق شروط معيشية أفضل , فالدين ساهم الى حد بعيد بافقار البشر , وتدني وسطي اعمارهم , وتعتير حياتهم , وتأخرهم بشكل عام , التأخر يعيق معالجة الأمراض ويعيق التعليم والتربية , ولا يسمح ببناء اسرة صحيحة البنية ,مجتمع المهر وتعدد الزواجات ثم زواج المتعة والمسيار , هو مجتمع معطوب نفسيا وليس بامكانه تحقيق شروط حياة أفضل , لذا لابد من علاج , والعلاج يكمن في الابتعاد عن التدين اي الابتعاد عن الدين , ثم رفض العديد من قواعده وأحكامه ,فالابتعاد عن الدين يمر بمراحل منها مرحلة التدين الشكلي , الذي يتطور الى لاتدين وبالتالي لادين .
هل علينا أن نقلق بسبب التدين الشكلي ؟ , الذي سيتطور الى لا تدين وبالتالي لادين , لاقلق !, وذلك بعكس مايروج له رجال الدين , فالمجتمعات التي ابتعدت عن الدين والتدين , والتي مرت في مرحلة التدين الشكلي , هي من أكثر المجتمعات أخلاقية وحرية وعدالة اجتماعية ومساواة ومستوى معيشي مرتفع !, لاتدين ولا دين في التدين الشكلي الممهد لنهاية الدين.
———
(*) ممدوح بيطار هو كاتب ومفكر سوري