الوطن

الحل الاسلامي خرافة أم حقيقة ؟../ مصطفى البغا (*)

يقولون : الإسلام هو الحل .
وكلما بحثنا عن حل ، اي حل لأي مشكلة مهما صغرت ، سنسمع الإسلام هو الحل
ولكن ما أن نتجاوز دائرة التنظير ونقف على أرضية صلبة من العقلانية والموضوعية حتى تصدمنا اشكاليات عدة يثيرها الحل الاسلامي ، منها ظاهرة التشظي المذهبي والتعددية الفكرية المذهلة التي تنتج أفهاما ورؤى واجتهادات يصل تنوعها إلى حد التناقض الكامل!!، فقد بدأت دائرة فهم الإسلام تتسع وتنمو بشكل أخطبوطي عجيب حتى بتنا أمام إسلامات متعددة وليس إسلاما واحدا، وكل فريق يزعم أنه المتحدث باسم الإسلام الصحيح والمحتكر للفهم الرشيد ومن عداه على باطل وانحراف، والمصيبة أننا لا نجد رابطا منطقيا يربط بين تلك الإسلامات المتناقضة:
أي اسلام يعنون ؟ الاسلام السني أم الاسلام الشيعي ؟ الاسلام السلفي العلمي أم الاسلام الصوفي ؟ اسلام السلفية الجهادية أم اسلام الأحزاب الاسلامية مثل حزب التحرير او الإخوان المسلمين ؟
وحتى اذا تجاوزنا هذه ( الشبهة الوهمية ) كما سيصفها بعض الاسلاميين فان السؤال الذي يطرحه الواقع هو :
ما المقصود بالحل الاسلامي ؟.
الجواب ببساطة : هو حل شامل، يهدف إلى أن يكون الإسلام هو الموجه والقائد للمجتمع في كل الميادين، وكل المجالات المادية والمعنوية، وأن تصبغ الحياة كلها بالصبغة الإسلامية..
نسأل مرة أخرى :
وهل يمتلك الاسلام نظرية متكاملة في السياسة والاقتصاد والتربية ؟
الجواب : نعم .
اذن ما هي ملامح هذا الحل الاسلامي ؟ ما هي تفاصيله ؟ وكيف سيحل مشكلاتنا المستعصية والعويصة ؟؟
مرة اخرى نغرق في دوامة من الافكار المتنافضة وكلها تزعم أنها تمثل الاسلام :
ففي الميدان الاقتصادي يرى بعض الاسلاميين ان الاسلام دين إشتراكي يؤيد عدالة توزيع وسائل الانتاج بين افراد الشعب ويحارب تركيز الراسمالي الإحتكاري كما زعم “مصطفى السباعي” في كتابه إشتراكية الإسلام ،
في حين يرى البعض أن الاسلام دين راسمالي يرفض التأميم ونزع الملكية الخاصة ويشجع الحريات الاقتصادية .
وفي الميدان السياسي يرى البعض ان الاسلام يرفض النظام الملكي ويؤيد النظام الديموقراطي الانتخابي، في حين يرى البعض أن الاسلام يقبل بالنظام الملكي الوراثي بلا تحفظ .
وقل مثل ذلك في علم الاجتماع والفن والقانون .
فما هو الحل الاسلامي ؟؟ لا أحد يملك الجواب .
مرة أخرى لنتجاوز هذه الأشكالية ، فهي في نظر المنظرين الاسلامين ( شبهات واهية واراجيف النصارى والملحدين
الحاقدين )
ولنتساءل ببراءة كيف سيحل الاسلام مشكلاتنا السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية من الاستبداد والقمع والفساد الاداري والبطالة والفقر وانخفاض مستوى المعيشة ……
الجواب ببساطة : ما أن تطبق الشريعة الاسلامية حتى تزول جميع مشكلات المجتمع السوري ، هكذا وبسرعة سحرية .ومن حسن الحظ أننا نملك تجربة تاريخية لتطبيق الشريعة الاسلامية وهي تجربة الخلافة الاسلامية التي يجمع الاسلاميون على أنها شهدت تطبيقا كاملا للشريعة الاسلامية ، والسؤال الذي يفرضه العقل هنا : هل حقق تطبيق الشريعة في حقبة الخلافة المجتمع المثالي الذي يحلم به الاسلاميون ؟ وهل تشكل تجربة الخلافة الاسلامة نموذجا اسلاميا يُحتذى به ؟؟؟ وهل يمكن ان نسترشد به في حاضرنا ومستقبلنا ؟؟
هل كفل تطبيق الشريعة حماية أرواح الناس واموالهم واعراضهم ؟.
كل من قرأ التاريخ بتجرد وموضوعية سيجيب بالنفي ، اذ تفيض كتب التاريخ بروايات ضرب الأعناق وهتك الأعراض والتنكيل بالبلاد والعباد ونهب أموال المسلمين وقمع الحريات واغتصاب حقوق الانسان ، وكل هذا في دولة الخلافة التي تطبق الشريعة الاسلامية !!!
في العصر الراشدي : ان تطبيق الشريعة لم يحقق الأمن والاستقرار للمجتمع ، اذ ان الحقبة الراشدية شهدت مقتل ثلاثة خلفاء من اصل اربعة وفي ظروف قلاقل وفتن : اولهم قتل على يد غلام مجوسي ، والثاني قتل في ثورة شعبية ، والثالث اغتاله تنظيم اسلامي متطرف هههههه 😂😂!!!، هذا فضلا عن الفتنة الكبرى التي اندلعت في تلك الحقبة ، اذ اقتتل رجال خير القرون وسلو سيوفهم على بعضهم وكانت لحصيلة : ثمانية الاف قتيل من اصحاب عائشة وقتل الف من اصحاب علي !!!! رغم انهم يحفظون حديث محمد : ” اذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ” .
كل هذا في ظل تطبيق الشريعة الاسلامية !!!.
في العصر الاموي : تفيض كتب التاريخ بمآسي العصر الاموي والجرائم التي ارتكبت فيه:
– قتل الحسين وثلة من اصحابه بوحشية ..
– يوم الحرة عندما استباح جيش امير المؤمنين يزيد رضي الله عنه مدينة الحرة في حرم الرسول فقتل رجالها وهتك اعراض نسائها بلا خجل ، ويقول ابن كثير عن وقعة الحرة : ” ..حتى انه قيل انه حبلت الف امرأة في تلك الايام من غير زوج ”
– ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق
ويختزل ابو الأعلى المودودي عصر بني امية بقوله : غشي العالم ظلام حكومة بني امية اثنتي وتسعين سنة ” ( الخلافة والملك : 124 )
في العصر العباسي : فاقت جرائم العباسيين سابقيهم من الأمويين ، اذ بدؤوا عهدهم باستباحة دمشق حتى هلك من اهلها خمسون الفا كما ذكر ابن الأثير ( 4/333 )
وبقي الجامع الأموي اصطبلا لخيولهم سبعين يوما !!!وقتلوا كل طفل من بني امية ثم بسطوا فراشهم على جثثهم التي كانت لا تزال تتلوى وتنتفض وقعدوا يأكلون !!! ( راجع : ابن الأثير : 4/333 – البداية : 10/345 )
ناهيك عن قمع الثورات ونهب الأموال والاسراف والتبذير والانحلال الأخلاقي الذي تفشى في ذاك العصر ( الف احد الباحثين كتابا ضخما عنوانه ” المتعة المحظورة : الشذوذ الجنسي في التراث العربي” ، وقد عالج فيه ظاهرة اللواطة التي تفشت بشكل مخيف في العصر العباسي )
كل هذا بالطبع في ظل تطبيق الشريعة
أما في العصر الحالي فهناك ثلاث تجارب أسلامية هي : ايران وافغانستان ، إدلب حاليا .
هذه هي التجربة التاريخية لتطبيق الشريعة الاسلامية ، اذن متى طبق الاسلام بشكل صحيح ؟؟؟؟
يجيب الاسلاميون :
ان ما حدث في الماضي ويحدث اليوم هو خطأ في التطبيق ، والاسلام بريء من كل هذه الانحرافات .
وهذا نفس كلام الشيوعيين واليساريين عندما تحدثهم عن ظروف المعيشة في الإتحاد السوفييتي وعن فشل الشيوعية في تحقيق أهدافها
ولنكن اكثر صراحة :
ما الفارق الحقيقي بين شرع الله وشرع الناس اذا كان كل منهما عرضة لخطر الانحرف في التطبيق والاساءة في التنفيذ والتلاعب بالقيم النبيلة ؟؟؟مع ملاحظة ان شرائع الناس تسجل نجاحات ملموسة في الغرب في حين ثبت فشل التجارب الاسلامية في الماضي والحاضر ؟؟؟؟
ألم تنجح الديمقراطيات الغربية العلمانية في بناء مجتمع متحضر يحفظ كرامة الانسان وحقوقه ؟؟؟؟
ألا تبدو المجتمعات الغربية – قياسا بالمجتمعات الاسلامية – أكثر شفافية وتحضرا ورقيا ؟؟؟ لماذا ؟؟؟
لماذا يتصيد الاسلاميون أخطاء الغرب ويعتبرونها دليلا قاطعا على فشل الديمقراطية الغربية في حين لا تخلو تجارب الاسلاميين أنفسهم ( في الماضي والحاضر ) من الأخطاء والأنحرافات ؟؟ بل قطعا فاقت اخطاء الغرب !!!
لماذا تكون اخطاء الاسلاميين ( مجرد خطأ في التطبيق والممارسة ) في حين تُضخم أخطاء الغرب لتصبح انحرافات خطيرة تهدم الفكرة الغربية من اساسها ؟؟؟
اذا كانت القضية : تجربة قابلة للخطأ في التطبيق مقابل تجربة اخرى قابلة للخطأ في لتطبيق ايضا فكيف نختار بينهما ؟؟
لاشك أن الشريعةالاسلامية تنطوي على بعض المفاهيم العادلة ، لكن المشكلة فيمن سيطبق هذا المنهج ، فهم في النهاية بشر محكومون بكل عوامل الضعف الانساني من غلبة الأهواء والأطماع ، فاذا قامت الدولة الاسلامية فما الذي سيضمن الا ينحرف الحكام ؟ ما الضمانة في ان لا تتكرر ذات الأخطاء والانحرافات التي حدثت في الماضي وتحدث اليوم ؟؟
———
/ من صفحته على فيسبوك
(*) مصطفى البغا هو كاتب سوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى