الوطن

عن اشكالية الباطنية السياسية .. / سمير صادق

هناك من يتحسس بشدة عند سماعه “مفردة ” الباطنية , المعاكسة في دلالاتها “للظاهرية ” , فالباطنية التي اقصدها ليست مؤسسة على المذهب أوعلى العقيدة , انما هي خاصة تصب في عمق الحياة السياسية في بلدان هذه المنطقة , السياسة في هذه البلدان بشكل عام “باطنية” , تعتمد على اخفاء النوايا , لتصبح وكأنها نوعا من المؤامرة ومن التخطيط السري , الذي لاتتم المصارحة به , أي لاتتم ممارسة الظاهرية به .
البعث كمنهج سياسي أصلا لاديني , لكنه تطور الى نزعة روحانية, وكأنه أصبح طائفة كما أكد عفلق ذلك , البعث , الذي ادعى بأنه علماني, اراد بعث أمجادا افتراضية للأمة من جديد, أي بعث الخلافة من جديد , والخلافة أصلا هي دين ودولة, وبذلك ابتعدت تنظيرات البعث عن الاشتراكية وعن العلمانية وعن مبدأ فصل الدين عن الدولة, فمن يريد فصل الدين عن الدولة لا يريد الخلافة وبعثها من جديد , اذن أضمر البعث ما لم يظهر , بذلك يعتبر البعث من رواد الباطنية السياسية, التي لاتختلف, من حيث الآلية, عن الاخونج ,الذي يمارس الباطنية السياسية في المعارضة , روج الاخونج قبل فترة للدولة المدنية وكأنها دولة هوبز او روسو , ومؤخرا اعترف الاخونج (محمد عمارة ) بأن المقصود بالدولة المدنية دولة بمرجعية دينية, أي أنها دولة دينية.
بعد افتتضاح امر دولة الاخونج المدنية , انتقل الاخوان الى دولة المواطنة, وعلى السؤال ما هي علاقة هذه الدولة الوطنية بالشرع لايجيبون, معظمهم يختبئ في هذه الحالة خلف نوع مشوه ناقص من الديموقراطية, التي يترجموها بالصندوق . سبب لجوئهم الحالي للصندوق مؤسس على اعتقادهم بأن كل المؤمنين اخوان, وبذلك سيفرز الصندوق الموافقة والرغبة باقامة دولة دينية ,باغلبية صندوقية افتراضية تتراوح بين ٦٠ الى ٧٠٪ من أصوات الناخبين السوريين حسب تقديرهم, بينما كانت حصتهم عام ١٩٥٤ حوالي ٥٪ من الأصوات.. هل يعود ذلك الظن بمقدرتهم على اكتساح الصناديق الى ماقدموه خلال العقود الماضية من ارهاب وتعاسة وتخريب واغتيالات وتأخر واجرام!؟
على المستوى الفكري المسلكي نجد أشكالا مريبة من أشكال الباطنية , هناك الآن من يشتم داعش بدون انقطاع, الا انهم يصفقون لليوم للنصرة وأشباهها, وكأن النصرة تحتلف عن داعش!.. هؤلاء قبل فترة وجيزة صفقوا لانتصارات داعش على الأرض. ليس هذا فقط , الباطني يعتبر نشاطات الفصائل المسلحة ثورة من أجل الحق والحرية , بذلك يعتبر نفسه ثوري ويفخر بذلك !.. “ثورية” تضع ذلك الباطني في مصنف الأحرار المناضلين من أجل الحرية والديموقراطية ضد الاستبداد والديكتاتورية .. ثورية “جهادية “!!.. فلجهاد تعريفا هو القتال لنشر الدعو , أي قتال من يقف ضد انتشار الدعوة في كل الازمنة والامكنة, فهل كانت الثورية في سوريا عام ٢٠١١ من أجل نشر الدعوة ؟ أم أو انها كانت ثورة من أجل الحق والحرية والعدالة الاجتماعية والشفافية ؟
يرفع الجهاديون الرايات والشعارات الدينية , وبذلك يصنعون مشهدية شديدة التعقيد بخصوص الدين والديموقراطية ! فهل يمكن للخلافة التي يحلمون بها تحقيق شروط الديموقراطية ؟.. وهل كانت الكيانات الدينية المسماة دولا مثل ايران والسعودية وأفغانستان “دولا ” ديموقراطيةاحترمت الحرية والديموقراطية وحققت العدالة الاجتماعية ؟؟.. وهل حقق الخلفاء بتوريثهم السلطة المدنية والديموقراطية؟.. لقد برهنت الأحداث والتطورات على أن الجهادي حقيقة هو داعشي بامتياز , وأنه مؤهل لاستخدام السكين والساطور في أي وقت عند الحاجة , الجهادي الداعشي يشتم داعش !!! ,هل يعبر شتم داعش في هذه الحالة عن معارضة لداعش ؟ او عقابا وشماتة أو بالدرجة الأولى ممارسة للتقية والباطنية , انهم باطنيون يضمرون ما لا يظهرون!.
تعميما يمكن القول بأن معظم التيارات السياسية في هذه المنطقة تعتمد الباطنية السياسية المنقولة عن الباطنية الدينية , هذه التيارات محافظة بهيكلية غيبية ,تؤمن بأن هناك ذاتاً عليا تلقي الارشادات عليهم من السماء , وتجعل منهم نوعاً من الخاصة, كفرقة ناجية ,أو صفوة تستثمر الآخرين مؤقتاً ريثما تصل إلى السيطرة عليهم, وبعد ذلك لكل حادث حديث ديكتاتوري .
الباطنية ليست دينية حصرا , لابل يمكن القول بأن الباطنية الدينية أقل ضررا من الباطنية السياسية , وأقل انتشارا من الباطنية السياسية , لابد هنا من التنويه بأن مقاربة الباطنية السياسية مع الباطنية الدينية تعتمد على التبسيط بخصوص الباطنية المذهبية ,التي لم يعد لها تأثير يستحق الذكر على البشر الذين يعيشون في اطار الدولة السياسية ,هناك الآن الباطنية السياسية , التي لاعلاج لها سوى بالشفافية, الممثلة للعلاج النوعي لاشكالية الباطنية السياسية.
——-
/ عن موقع syriano.net

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى