المجتمع

اللطم وغسيل الذنوب/ ميرا البيطار (*)

اللطم هو اعتراف باقتراف الذنب , الذي يراد له ان لاينسى, ولكن واقعيا وممارسة لايمثل اللطم سوى “شعور ” اخلاقي , لم يتحول الى “فعل ” اخلاقي , اي الى صناعة واقع اخلاقي , اللطم هو تعبير فقط , انه تعبير عن تناقض كبير مع الواقع الذي لايمارس الاعتراف بأي ذنب كان ,ثم أن هذا اللطم عمليا الى محاولة للانفلات من تبعات أخلاق الاعتراف بالذنب عن طريق خدمة القشر وتجاهل الجوهر , الاكتفاء بتظاهرة الاكتفاء بالقشر هو خيانة للجوهر , انه رياء ومخاتلة أخلاقية , اذ لانرى في اللطم سوى اللطم وأوجاعه , لابل تمثل ممارسة اللطم تغطية لممارسة الفوقية والعنجهية وادعاء النقاء المطلق وامتلاك الحق والحقية , اللطم عمليا هو تكريس للتقديس , الذي يتأهب دوما الى اقتراف المزيد من الذنوب , التي تتطلب مزيدا من اللطم …أي من لطم مخفف الى لطم أقسى , قد يصل الى حد الانتحار, قال الشاعر أحمد النعيمي الذي اعدمه اللطميون عقابا على ماكتب :

“نحن شعب لا يستحي
السنا من بايع الحسين ثم خنّاه؟
ألم تكن قلوبنا معه وبسيوفنا ذبحناه؟
ألم نبكي الحسن بعد أن سممناه؟
ألسنا من والى على وفي صلاته طعناه؟
ألسنا من عاهد عمر ثم غدرناه؟
ألم ندعي حبه، وفي الصلاة لعّناه؟
قسمًا نحن شعب لا يستحي
نحن قطاع الطرق وخونة الدار
نهدر دم المسلم ونهجم على الجار
نعتمر عمائم بيضاء وسوداء وما تحتهما عار”
قال الشاعر المغدور كلاما بمنتهى العمق الفلسفي الانساني , فكيف يمكن تفسير اعدام الشاعر بسبب قصيدته على يد اللطميون الممارسون لفضيلة الاعتراف بالذنب , فمن يعترف بالذب لايذنب عادة اذا كان مستقيما خلوقا , أو تحول الى مستقيم خلوق , الا أن اللطمويون برهنوا باعدامهم للشاعر , على انهم لم يتحولوا الى خلوقين أخلاقيين , انما وظفوا الاعتراف بالذنب كغطاء لجريمة اعدام الشاعر في القرن الحادي والعشرين من هذا العصر .
الاعتراف بالذتب ليس فضيلة كلامية لفظية نطقية فحسب , انما التزام وتعهد أخلاقي بالابتعاد عن الذنوب وممارساتها , لقد اعترف الشعب الألماني بالذتب , وأسس على هذا الأعتراف منظومة اخلاقية مستقيمة لاتسمح بتكرار الذنوب النازية , هذا لايعني احتفالية لجلد الذات فقط , انه نقل للأخلاق من المستوى التعبيري الى المستوى التنفيذي العملي , اعتذروا وعوضوا وابتعدوا عن ممارسة الذنوب .
اللطميون يلطمون صدورهم وينزفون دم الندم , على ذنب اقترفوه ,ولكن أغلب الظن ان ذنبهم تمثل بعدم المقدرة على بتر رأس يزيد, وليس بسماحهم ليزيد باستباحة رأس وحياة الحسين , تظاهرتهم اللطمية ليست مناهضة لبتر الرؤوس , انما لأنهم لم يتمكنوا من بتر الرؤوس. نتذكر هذه الأيام يوم الذنب في ٧-٨-١٩٣٣ , الذي سمي مجزرة سميلي في العراق ,حيث تم تقتيل آلاف البشر ,اللطميون وغيرهم من أشباههم لم يتمكنوا حتى من الاعتراف بالذتب , ناهيكم عن التعهد بعدم اقتراف الذنوب , التي تكررت عدة مرات بعد عام ١٩٣٣ , لم تردعهم كربلاء عن اقتراف ذنوبا ابشع من الذنب الكربلائي في مئات السنين بعد كربلاء وحتى اليوم .
كلما حل يوم ٢٤-٤ نتذكر جرائم ابادة الأرمن على يد العثمانيين , حقيقة لم تكن ابادة واحدة بين عام ١٩١٤ وعام ١٩٢٠ , انما العديد من الابادات بدءا من عام ١٨٧٧, بدا السلطان عبد الحميد باقتراف ذنوب مذبحة الحميدية , وتكررت الحميدية الى أن وصل الأمر الى عام ١٩١٤ , حيث حدث ما نعرفه عن ابادة الأرمن الجماعية , وبالرغم من القرار الدولي وقرارات كل المنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان ولحد الآن لاتعترف تركيا بالذنب , لابل يتهم بعض اذيال العثمانية من العرب الأرمن بقيامهم بابادة العثمانيين ,وبذلك تفوقوا على العثمانيين الأتراك في ممارسة ذنب الابادة الجماعية ,لم يمارس الأتراك العثمانيون والعرب العثمانيون اللطم أو حتى جلد الذات ندما , لابل مارسوا الافتخار بفعلة الاتحاد والترقي وحاولوا تبرير ما قامت به منظومة الاتحاد والترقي , هؤلاء بهذا الخصوص أسوء من لطميين كربلاء بدرجات , على الأقل اعترف لطميوا كربلاء بمفهوم “الذنب” , دون تمكنهم أو ارادتهم بشحن هذا المفهوم بشحنة اخلاقية سامية انسانية حضارية .
لايقتصر أمر المذابح وبتر الرؤوس على ذنوب كربلاء وذنوب سميلي وعلى ذنوب ابادة الأرمن والآشوريين وشعب بيزنطة ثم ابادة العثمانيين من أصل يوناني , والعشرات من الابادات الأخرى , اريد بهذه المناسبة التنويه باختصار الى ابادة بني قريظة , التي يشعر الاخونج بخصوصها بالفخر العارم , كما يشعروا بالفخر العارم بنجاح ابن الوليد في تلوين مياة الأنهار بالأحمر من دم ٤٠٠٠٠٠ مذبوح , هنا لام الشيخ موفق غنيم تواضع البعض بالافتخار بما قام به ابن الوليد … على الافتخار ان يكون جهورا صاخبا ومدويا , الافتخار بالتذبيح يجب ان يكون نبيحا وليس مواءا … !
اقتراف الذنوب خاصة بشرية وقعت معظم شعوب العالم في مطبها , هناك شعوب اعترفت بالذنب ,اعتذرت وتصالحت مع الانسانية ومع التاريخ , وهناك شعوب لم تعترف ولم تعتذر ولا تزال مستمرة في اقتراف الذنوب وبالتالي لاتزال ميتة اخلاقيا للأسف.
———-
/ عن موقع (syriano.net)
(*) ميرا البيطار هي كاتبة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى