المجتمع

الجهل والخرافة والنظرة الدونية للمرأة../ ميرا البيطار (*)

مشكلة النظرة الدونية للمرأة , المؤسسة على الجهل وسيطرة الفكر الخرافي والغيبي اللاهوتي , ليست منتشرة فقط في الأوساط الهامشية أو الغير مثقفة أو المرتشحة بثقافىة رجعية ظلامية ,بل معممة بشكل أو بآخر على جميع الأوساط تقريبا , وبالرغم من التقدم الواقعي بما يخص المرأة في كل انحاء العالم , لاتزال هناك نظرة ذكورية متعالية تجاه المرأة في هذه المنطقة , بحيث يصعب , على سبيل المثال, توقع التصويت المباشر لها في انتخابات , مما يرغم على أخذها على اللوائح الانتخابية كمرشحة اللائحة وممثلة لحصة النساء ,هنا تنجح بسبب اللائحة وليس بسبب الاستحقاق , النظرة الدونية لاتسمح الا باعتبارها مصنعا للانجاب وكخادمة بما يخص الأعمال المنزلية نهارا وليلا كجارية , لاينظر للمرأة بشكل عام على انها ذات مؤهلات وكفاءات قد تفوق مؤهلات وكفاءات الرجل , النظرة الدونية لها ليست من طباع البشر المولودة , وانما من تطبعهم بسبب العديد من الظروف والمؤثرات , التي منها الدين بدون أي شك .

قصة البشر التاريخية وتطور البشر , يؤكد مرور النظرة للمرأة بحقب متعددة , منها حقبة المشاعية , ومنها عائلة قربى الدم , حقبة الزواج الأحادي , حقبىة الأسرة الأموية (من أمومة) , كنتيجة للوضع الاقتصادي الذي تأثرت المرأة به وأثرت عليه , ثم الأسرة البطريركية بعد نشوء الملكية الخاصة , وبالتالي انقسام المجتمع افقيا الى طبقات ,مما حول العلاقة بين المرأة والرجل الى علاقة مستلبة …الأسرة الأبوية , كنظير للأسرة الأموية , والمحدد لهذا الشكل أو ذاك كان دائما العامل الاقتصادي.

بالرغم من كل ذلك , تتواجد معظم شعوب العالم اليوم في حقبة المساواة بين المرأة والرجل , وفي حالة من التحضر , التي لم يكن بالامكان تصورها قبل قرون , الا أن شعوب منطقة الشرق الأوسط لاتزال عموما في الحقبة البطريركية الذكورية , التي تستصعب وتستعصي على التغيير ولو جزئيا , لاستعصاء هذه الحقبة على التغير والتطوير علاقة أساسية مع طول هذه الحقبة ,وكون هذه الحقبة أساس التاريخ البشري المكتوب , عموما تواجدت معظم الشعوب ومنذ بداية كتابة التاريخ في اطار المجتمع الأبوي وأبوية الأسرة , الذي يعرف الطاعة لما يسمى رب الأسرة , ويعرف مفاهيم مثل وصيلة الأب , ثم مفهوم الحريم , أي النساء الذين يخصون رجلا واحدا, تغير الأمر بشكل كبير عند الغير , أما هنا فلا يتغير بأسرع من سرعة السلحفة .

قادت الملكية الخاصة الى الرأسمالية , والى ولادة الطبقات , وبالتالي بداية نشوء التناقضات وتفاقمها , مما قاد الى بداية انحلال الرأسمالية وبداية محاولات الانعتاق من الذات الرأسمالي عن طريق الشيوعية الأممية او الماركسية , أعلن ماركس بأن الاشتراكية ستكون الحاضن لأسعد الأسر , وبالتالي يمكن اعتبار الانحلال الرأسمالي بمثابة بداية انحلال الأسرة البطريركية الممثلة لسيطرة الأب الذكر على الأسرة أي على المرأة والأولاد , التوجه الاشتراكي كان أساس التطور الى استبعاد الاستعباد من العلاقات الأسرية , كان الأساس الذي بنيت عليه الحركات النسائية الرافضة للتمايز في معاملة المرأة , لقد أصبح قانون الأحوال الشخصية تبعا لذلك من أهم القوانين بالنسبة للمواطن , تطور قانون الأحوال الشخصية تحول الى معيار لوضع الأسرة والمرأة , قد وضع جورج طرابيشي اصبعه على الجرح عنما قال بأن ثورة في اطار قانون الأحوال الشخصية , هي من أجرأ وأعظم الثورات , التي يمكنها تغيير المجتمع من مجتمع استعبادي الى تحرري , ومن مجتمع تأخري الى تقدمي ومن مجتمع ظالم الى مجتمع عادل, من أسرة النخاسة الى أسرة الحب , الحب الذي يجمع الرجل والمرأة في عملية انصهار روحي لأرقى تشكيلين خلويين بيولوجيين عرفتهما الطبيعة, انه مفتاح للذات الانسانية ورقي لها , وانتصارا للسمات الانسانية على الغرائز الحيوانية البهيمية ,

تواجد هذه الشعوب في مرحلة زراعية أو ماقبل زراعية لايمنع من تطوير قوانين الأحوال الشخصية باتجاه ثوري يحقق العدالة الاجتماعية , أين هو التضارب بين خواص المجتمع الزراعي الحالية وبين الحد من سيادة الرجل ,فالمرأة تقوم أصلا بالجزء الأكبر من مهمات الزراعة, وماهي فوائد تعدد الزوجات وتبعية الأولاد للزوج , مع العلم أن المرأة هي التي حملت وأنجبت , وبالرغم من أنها صنعت أهم ثروة للاسرة (الأولاد) , لاتزال المرأة هامشية في تقرير مصيرهم وفي حضانتهم وفي تمكنها من اعطائهم جنسيتها وفي موضوع الارث والعديد من النواحي الأخرى .

يكمن تأخر بعض الشعوب بكونها لاتزال في ثقافة السيف (لايرثنا الا من يحمل السيف ويحمي البيضة) , وحتى ببعض التقدم ,سيبقى الفارق كبيرا بين هذه الشعوب وبين الشعوب المتحضرة , التي لاتنتظر لتمكن غيرها من اللحاق بها , انما تتقدم وبسرعة مبهرة .
————
(*) ميرا البيطار هي كاتبة سورية
/ عم موقع “syriano.net”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى